للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورابعها: الإيمان بفكرة التقدم. وخلاصتها أن الإنسانية تسير دائمًا إلى الأمام من عصر إلى عصر، وأن كل عصر تالٍ لابد أن يكون أكثر تقدمًا وأفضل للناس من العصر الذي سبقه؛ فالحاضر أفضل من الماضي، والمستقبل أفضل من الحاضر. والتقدم بهذا المعنى أمر حتمي. على حين كان الناس قبل القرن السادس عشر يمجدون الماضي، ويرون أن العصور السابقة كانت أفضل من الحاضر، وأن كل عصر أسوأ من العصر الذي قبله، ومن هنا نشأت فكرة تقديس الماضي، وأصبح كثير من الناس يحنون إلى الأيام الفاضلة السعيدة (Good old days) .

وفكرة التقدم ترتبط ارتباطًا وثيقًا بفكرة التطور، فقد

(كان العقل البشري في عمومه يعتقد بأن للأشياء - وضمنها الأفكار، والمرجعيات والقيم والإيديولوجيا والمبادئ - حقائق ثابتة أزلية أبدية. وقد سمى الفلاسفة القدماء وربما أيضًا المحدثون؛ هذه الثوابت: جواهر، أما ما قد يطرأ عليها من تغيرات ظاهرة، فهي - كما سموها - مجرد أعراض لتلك الجواهر) (١) . وهذا يعني أن تلك (الجواهر) ستظل على حالها الثابتة منذ بدء العالم إلى نهايته دون تغيير أو تطوير. ثم جاء تصور عقلي جديد جعل (التغير) مكان (الثبات) ، وانتهت بذلك مرحلة التفكير المطلق، وبدأت مرحلة التفكير النسبي (الذي ينظر إلى كل شيء على أنه متغير ونسبي) (٢) .

وذهب بعضهم إلى أن التقدم والحضارة وقفٌ على أوروبا، ومن هنا سادت نظرة التعالي الأوروبي إلى البلاد الأخرى (المتخلفة) ، وخاصة بلاد آسيا وإفريقيا، وكان ذلك سببًا من أسباب حركة الاستعمار الأوروبي، إذ كان الاعتقاد أنه من حق تلك البلاد المتقدمة أن تستخدم سكان البلاد المتخلفة وتستعبدهم، وتستثمر مواردهم وتستنزفها لخير الإنسانية المتحضرة، وقد ادعى بعض ساستهم أن تلك البلاد الآسيوية والإفريقية لم تبلغ سن الرشد بعد، وأن الاستعمار هو وسيلة الأخذ بيدها إلى الترقي والتحضر.


(١) المستشار شريف كامل، فكرة التقدم وتداعياتها، الأهرام ٢٥/٨/١٩٩٦م.
(٢) المستشار شريف كامل، فكرة التقدم وتداعياتها، الأهرام ٢٥/٨/١٩٩٦م.

<<  <  ج: ص:  >  >>