وخامسها: تمجيد الفردية (Individualism) التي أخذت تنمو، وخاصة بعد الثورة الفرنسية في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، فـ (الفكر والنظام السياسي والاجتماعي الغربي قام على أساس مفهوم واحد مقدس هو الفردية، الذي يضمن للفرد السعي نحو تحقيق مصالحه، بغض النظر عن الوسائل التي يستخدمها لتحقيق هذه الغايات. وفي حال حدوث تضارب بين مصلحة الفرد والمجتمع فإن مصلحة الفرد هي التي تعلو على ما سواها. ومن هذا المفهوم تفرعت كل الأفكار والقيم الغربية المتعلقة بالحرية الفردية والمبادرة الذاتية التي لا تحدها حدود، ولا تكبلها ضوابط وقيود)(١) .
وقد قامت (حقوق الإنسان) على أساس فلسفي ومذهبي من الحرية الفردية. وكانت المغالاة في هذه الحرية واحترامها تعبيرًا عن رد فعل لما كان يعانيه الفرد من أغلال القرون الوسطى الأوروبية في ظل أنظمة الحكم المطلق والإقطاع والكنيسة. وقد أتاحت هذه الحرية الفردية الانطلاق إلى بناء المجتمع الغربي الحديث الذي يمارس فيه الفرد استقلاله وحريته ودوره في الإبداع والتقدم والتميز وإقامة الدولة المدنية الحديثة.
ولكن المغالاة في هذه الحرية الفردية بلغت مبلغًا تمثل في إباحة كثير مما كانت الشرائع السماوية والمجتمعات لا تبيحه، مثل: إباحة المخادنة (مع منع تعدد الزوجات الشرعيات) ، وإباحة الزنى وإسقاط عقوبته حتى عن الزوجة، والسماح بالتزاوج بين أفراد الجنس الواحد: بين الذكور والذكور وبين الإناث والإناث، وتخفيض السن المسموح لها بهذا التزاوج المثلي أو المعاشرة والمعايشة المثلية إلى الثامنة عشرة بل دونها! وغير ذلك من مظاهر الحياة والسلوك التي انتهت إليها الحرية الفردية مما يستهجنه كثيرون حتى في الغرب نفسه؛ إذ ليس من شك أن عندهم عشرات الملايين من المؤمنين المتدينين، ومن المحافظين على التقاليد، وكذلك من الذين لا ينتمون إلى الحداثة في شيء، من: الأميين، والمعتنقين لمذاهب دينية وثنية، والمعتقدين بالخرافات ... إلخ. والحكم بالحداثة إنما يشمل الاتجاه العام في المجتمع والدولة، وليس الأفراد الذين تظل نسبتهم قليلة مهما يكثر عددهم.
(١) الدكتور مروان قبلان، مقالة في جريدة الشرق الأوسط ٢٧/٧/١٩٩٨م، ص١٦.