للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وآيات أخرى فيها ألفاظ متعددة تدل على معاني العقل والفكر؛ مثل التدبر {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} [المؤمنون: ٦٨] ، و {لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ} [ص: ٢٩] ، ومثل: النظر {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: ١٨٥] ، و {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا} [ق: ٦] ، و {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية: ١٧] . ومثل لفظ البصر وما اشتق منه كقوله تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: ٢١] . إلى غير ذلك من آيات صريحة اللفظ أو صريحة المعنى، مما هو مثبوت في كتاب الله، وربما كان أشملها وأجمعها قوله تعالى: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢١٩) فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ} [البقرة: ٢١٩ - ٢٢٠] .

وحين ننظر بعد ذلك إلى أقوال بعض العلماء والأدباء والمفكرين المسلمين، نجدهم كثيرًا ما يعولون على العقل ويدعون إليه؛ فمن ذلك قول الجاحظ (١) : (فلا تذهب إلى ما تُريك العين، واذهب إلى ما يُريك العقل، وللأمور حكمان: حكم ظاهر للحواس، وحكم باطن للعقول، والعقل هو الحجة) .

والحديث عن العقل وتحكيمه متصل أوثق اتصال بحديثنا السابق عن الشك وعدم التسليم بأقوال العلماء السابقين دون تمحيص، وهو أيضًا متصل أوثق اتصال بما حث عليه الإسلام من نبذ الخرافات والأساطير. ويدس بعضهم تعبيرات ماكرة كقولهم: (ثقافة الخرافة) ، ويخلطون الكلام خلطًا ليفهم أن المقصود بالخرافة إنما هو الإيمان بالغيب. وشتان ما هما وبُعْدَ ما بينهما.

وإذا كان للخرافة (ثقافة) تشيع بين العوام الجهال، يخوضون فيها، وينخدعون بها، (مثل: الزار ودفوفه ورقصه، ومثل الحجب الباطلة وقراءة الكف، والإخبار بالحظ والمستقبل، والتنجيم، وأحاديث السحر والجن والشياطين) فإن الغيب ليس له ثقافة، وإنما هو تصديق وإيمان، دون الخوض في هذا الغيب ودون بناء ثقافة له: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: ٥٩] . {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [هود: ١٢٣] .


(١) الحيوان: ١/٢٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>