للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما العنصر الثالث من عناصر الحداثة ومقوماتها، وهو عنصر (العلم) ومناهجه، فالحديث عنه في الإسلام ولدى المسلمين حديث طويل. وهؤلاء علماؤنا في مختلف ميادين العلم نجوم نيرات في سماء الحضارة الإنسانية: في مرحلتها الإسلامية، ثم في تأثيرهم في عصر النهضة الأوروبية وعصر التنوير، وقد تُرجِمت كتبهم إلى اللغة اللاتينية، إما مباشرة وإما من خلال العبرية. وفي طليعة هؤلاء العلماء المسلمين: جابر بن حيان (ت٢٠٠هـ = ٨١٥م) ، الذي كانت له شهرة كبيرة عند الإفرنج بما نقلوه من كتبه في بدء يقظتهم العلمية؛ قال عنه (برلتو) (M.Berthelot) : (لجابر في الكيمياء ما لأرسطوطاليس قبله في المنطق. وهو أول من استخرج حامض الكبريتيك وسماه زيت الزاج، وأول من اكتشف الصودا الكاوية، وأول من استحضر ماء الذهب، ويُنسب إليه استحضار مركبات أخرى مثل كربونات البوتاسيوم وكربونات الصوديوم، وقد درس خصائص مركبات الزئبق واستحضرها) .

وقال عنه أيضًا (لوبون) (G.Le Bon) : (تتألف من كتب جابر موسوعة علمية تحتوي على خلاصة ما وصل إليه علم الكيمياء عند العرب في عصره، وقد اشتملت كتبه على بيان مركبات كيماوية كانت مجهولة قبله. وهو أول من وصف أعمال التقطير والتبلور والتذويب والتحويل ... إلخ) (١) .

وقد وصفه الدكتور زكي نجيب محمود بـ (رجل التجارب العلمية) ، وأفرد عنوانًا عن (منهجه التجريبي في بحوثه العلمية) ، وقال عنه: (هو منهج نموذجي في دقته وفي حرصه على التثبت) ، ويؤكد ذلك بقوله: (لجابر منهج تجريبي يصطنعه في بحوثه الكيماوية) ، وقال أيضًا: (من قراءة نصوصه استطعنا أن نتلمس مذهبه في خطوات السير في طريق البحث العلمي، وهي خطوات تطابق ما يتفق معظم المشتغلين بالمنهج العلمي اليوم) ، ثم يتحدث عن هذا المنهج ويصفه بأنه استنباطي استقرائي (٢) .

ووصفه (رسل) (٣) (R.Russel) - الذي ترجم بعض مؤلفاته إلى الإنجليزية - لندن ١٦٧٨ - بأنه: (أشهر علماء العرب وفلاسفتهم) .

وقد أطلنا الحديث عن جابر لندل على ما بلغه المسلمون من مكانة عالية في العلم، وما رسخوه من المنهج العلمي التجريبي وأساليبه الاستقرائية والاستنباطية منذ هذا العصر المبكر - أي أواخر القرن الثاني الهجري = أواخر القرن الثامن الميلادي - وهو عصر يسبق النهضة الأوربية بنحو سبعة قرون.

وقد تواصل العطاء العلمي بين يدي المسلمين في تطور سريع، ومن خلال هذا التطور نصل - بعد نحو قرنين ونصف - إلى الحسن بن الهيثم (ت نحو ٤٣٠هـ = ١٠٣٨م) ، الذي قال عنه سارطون: (إن ابن الهيثم أعظم عالم ظهر عند العرب في علم الطبيعة، بل أعظم علماء الطبيعة في العصور الوسطى، ومن علماء البصريات القلائل في العالم كله) (٤) .

ويقول عنه (سوتر) (٥) (H.Suter) : (كان لكتاب المناظر لابن الهيثم تأثير عظيم في العصور الوسطى في دراسة البصريات في أوروبا من (روجر بيكون) إلى (كلبر) ، وقد طبعت الترجمة اللاتينية للمناظر في سنة ١٥٧٢م في مدينة بازل، ونشرها (فريدريش رزنر) (F.Risner) ، وكذلك ترجم (جرهارد الكريموني) (Gerhard of Cremona) كتاب: (كيفية الإظلال) لابن الهيثم إلى اللاتينية.


(١) انظر: خير الدين الزركلي، الأعلام، والحاشية رقم (١) .
(٢) كتاب جابر بن حيان، ص٥٤، ٥٥، ٥٨، ٥٩، من سلسلة أعلام العرب، نشر وزارة الثقافة والإرشاد القومي بمصر، مكتبة مصر بالفجالة. د. ت.
(٣) في كتابه (Jabiribn Hayyan) ، وقد نقلته من كتاب الدكتور زكي نجيب محمود، ص١٩.
(٤) الأعلام، حاشية١.
(٥) وهو كاتب مادة ابن الهيثم في دائرة المعارف الإسلامية Cirst Encyclopaedia of Islam ١٩٣٦ - ١٩١٣: ١/٣٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>