إضافة إلى هذا فقد وجه (فيديمان) النظر إلى طابع آخر مهم لدى العلماء المسلمين في طريقة بحثهم وعرضه، فقال:(تصادفنا نتائج البحث عند الإغريق في صيغتها النهائية الكلاسيكية، فلا نتمكن إلا في أحوال استثنائية من تتبع نشأتها، ولكن الحالة عند العرب تخالف ذلك تمامًا. إن العرب يوضحون تطور العمل الذي يقومون به خطوة خطوة، كما يفعل بعض الباحثين في يومنا هذا، ولا يسعنا تجاه هذا التوضيح إلا تصور ما تفيض به نفوسهم اطمئنانًا وسرورًا من خطوات عملهم، وبلوغهم النجاح في أبحاثهم وبكمال أدواتهم التي استعانوا بها. وبذوقهم الفني في أعمالهم)(١) .
وقد ذهب بعض الذين كتبوا عن روجر بيكون أنه كان يعرف اللغة العربية أو رجحوا ذلك.
وإنما تكلفنا ما تكلفنا من اقتضاب القول في موضوع اختلف أصحابه فيه اختلافًا واسعًا، لنزيل عنه غموضه الذي غلفه عند كثير من أهله وعند أهلنا، وكان حقه التوسُّعَ فيه والبسط لولا ضيق المجال، ولنصل كذلك من كل ما قدمنا إلى أن الإسلام - بالفهم الصحيح له - كانت (الحداثة) من بعض منهجه الشامل. وأن العلماء المسلمين هم آباء (الحداثة) الأوروبية، بما نقلوه إلى أوروبا من منهج يقوم على ما منحهم الإسلام من حرية التفكير والتعبير، والتجاوز عن الخطأ والسهو في البحث والاجتهاد، وبتسخيره لهم ما في السماوات والأرض جميعًا منه تعالى، وما حضهم عليه من التفكير والتدبر والنظر واستعمال العقل وتحكيمه، وهجر الخرافات والأساطير والأوهام والأباطيل، وبما يسر لهم من أساليب العلم ونظرياته وإنجازاته، وبما دعاهم إليه من التعامل بالأسباب وتطوير الحياة وتقدمها، وبما هيأه لهم من تحرر الإنسان من عبوديته للإنسان، وجعل العبودية لله وحده، بغير وسيلة بشرية تفصل بين الخالق والمخلوق وتتوسط بينهما، وبجعله كتابه الكريم ودينه مبسوطين للناس جميعًا دونما احتكار لطبقة دون غيرها: تعدل فيهما وتغير، وتفسر وتشرح، وتمنح وتَحرِم.