والأمة إذا بلغت هذا الحد، وجهدها البلاء، لم تعد غير فئات مغلوبة وجماعات مقهورة ليس لها من الأمر شيء، فلا تثبت على حال ولا ينضبط لها سير، وقد ألهاها ما مرت به من أزمات، وتعرضت له من مهانة، وحل بها من نكبات عن الانتفاع بتعاليم الدين واتباع مناهجه التي قامت عليها عزة الأجداد وقوتهم وحضارتهم وريادتهم.
ولما بدأت تسري في جموعهم روح اليقظة إذا هم يثوبون إلى الرشد، ويطمعون في القيام بانطلاقة جديدة تعيد لهم عقيدتهم وتصوراتهم ومبادئهم وقيمهم، وتفقدوا ما في مداخل قلوبهم من بقايا الإيمان والهدي الديني، فرجعت إليهم الآمال، وأشرقت نفوسهم بالبشر، حين أدركوا أنهم سهوا وما غووا، وزلوا وما ضلوا، ولكن دهشوا وتاهوا، فهم في حاجة إلى من يمد لهم يد العون، ويهديهم إلى الرشد وإلى سواء السبيل.
كانت هذه الأحوال معروفة ومعلومة عند ساسة الأمة وقادتها، وحين حزبهم الأمر دعتهم الحاجة إلى تكوين رابطة جامعة، وإقامة مؤسسة دولية يلتقون فيها لتخطيط السير، وتنسيق الجهود من أجل تحقيق التنمية، والعودة بشعوبهم إلى المنزلة اللائقة بها التي تخلوا عنها للأسباب التي ذكرناها قبل.
وفي مؤتمر القمة الإسلامي الثالث بمكة المكرمة، فيما بين ١٩ - ٢٢ ربيع الأول سنة ١٤٠١هـ، دعا جلالة الملك الراحل خالد بن عبد العزيز، رحمه الله، الأمة الإسلامية وفقهاءها وعلماءها أن يجندوا أنفسهم، ويحشدوا طاقاتهم في سبيل مواجهة معطيات تطور الحياة المعاصرة ومشكلاتها، بالاجتهاد والاسترشاد بالعقيدة، وما تضمنته من مبادئ خالدة قادرة على تحقيق مصلحة الإنسان الروحية والمادية في كل زمان ومكان.