(وغطى نشاطهم من أقصى السند وأقصى خراسان إلى أرمينية وأذربيجان إلى الموصل، وديار ربيعة، وديار مضر إلى أقصى الشام وإلى مصر وإفريقية، إلى أقصى الأندلس وأقصى بلاد البربر، إلى الحجاز واليمن وجميع جزيرة العرب، إلى العراق والأهواز إلى فارس إلى كرمان إلى سجستان إلى كابل إلى أصفهان إلى طبرستان وجرجان إلى الجبال، وكان منهم في كل إقليم كثيرون يضيق المقام عن عدهم وحصرهم) .
وتباينت درجاتهم بين مجتهد مطلق، ومجتهد مقيد بالمذهب، ومجتهد في بعض أبواب الفقه أي في المسائل، وتواصل بعد ذلك الاهتمام بقضايا الفقه، وظهرت طوائف من العلماء في الدور الخامس من منتصف القرن الرابع إلى منتصف القرن السابع، وفي الدور السادس الممتد فيما بين سنة ٦٥١ إلى ظهور المجلة العدلية ١٢٨٦، ولحق به الدوران الأخيران السابع والثامن من ظهور المجلة إلى سنة ١٣٥٤، ومن ذلك الوقت إلى الآن.
وقد تنوع هؤلاء الفقهاء - وخاصة في الأطوار الأخيرة - فكانوا على تفاوت فيما بينهم، بحسب ما كان يميز بعضهم عن بعض من الإحاطة والفهم وملكة الاستنباط وكمال الذوق الفقهي.
ولو أمعنا النظر لوجدناهم في هذه الفترة فئات ثلاثة:
الأولى: لا تلتزم إلا بما هو نص من الكتاب والسنة، فلا يمتد نظرها إلى ما في المصدرين من عمومات، ولا إلى ما في الشريعة من قواعد كلية، فهي بذلك تجمد الإسلام في قوالب حجرية، صنعتها عقول من كانوا قبلنا مناسبة لزمانهم ولم تعد مناسبة لنا.
والثانية: من المتأخرين ممن يتجاوزون النصوص وحتى العمومات، ويطلقون العنان لخيالاتهم وفلسفاتهم، فهم يعملون على تطويع الإسلام للعصر، ويرفضون الوقوف عند الأصول المعتمدة في التشريع لدى الفقهاء والمجتهدين من ذوي الاختصاص، وهذه الفئة أسوأ الفئات بما تجترئ به على الله في بناء الأحكام وضبطها.