للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ترجيح العمل بالحديث المخالف للمذهب:

قال شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام (١) : ومن العجب العجيب أن الفقهاء المقلدين يقف أحدهم على ضعف مأخذ إمامه، بحيث لا يجد لضعفه مدفعًا، وهو مع ذلك يقلد فيه، ويترك من شهد له الكتاب والسنة والأقيسة الصحيحة لمذهبهم، جمودًا على تقليد إمامه، بل يتحايل لدفع ظواهر الكتاب والسنة، ويتأولها بالتأويلات البعيدة الباطلة، نضالًا عن مقلده.

وقال ابن الصلاح: إن كان فيه (مرجح الحديث المخالف لمذهبه) آلات الاجتهاد مطلقًا، أو في ذلك الباب، أو في تلك المسألة، كان له الاستقلال بالعمل بذلك الحديث، وإن لم تكمل آلته، ووجد في قلبه حزازة من الحديث، ولم يجد معارضًا بعد البحث، فإن كان قد عمل بذلك الحديث إمام مستقل فله التمذهب به، ويكون ذلك عذرًا له في ترك قول إمامه (٢) .

ونقل ابن عابدين عن ابن الشحنة قوله: إذا صح الحديث وكان على خلاف المذهب عمل بالحديث، ويكون ذلك مذهبه، ولا يخرج مقلده عن كونه حنفيًّا بالعمل به، فقد صح عنه أنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وقد حكى ذلك ابن عبد البر عن أبي حنيفة وغيره من الأئمة ... ولا يخفى أن ذلك ممن كان أهلًا للنظر في النصوص ومعرفة محكمها من منسوخها، فإذا نظر أهل المذهب في الدليل وعملوا به صح نسبته إلى المذهب، لكونه صادرًا بإذن صاحب المذهب، إذ لا شك أنه لو علم ضعف دليله رجع عنه واتبع الدليل الأقوى، وقد قال نحو هذا العز بن عبد السلام، وابن الصلاح على ما نقله عنه ولي الله الدهلوي الذي قال بعده: فحينئذ لا سبب لمخالفة حديث النبي صلى الله عليه وسلم إلا نفاق خفي أو حمق جلي (٣) .


(١) قواعد الأحكام: ٢/١٣٥، ط. الاستقامة.
(٢) البحر المحيط للزركشي: ٦/٢٩٤.
(٣) حاشية ابن عابدين: ١/٦٣؛ والإنصاف للدهلوي، ص٩٩و١٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>