للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دواعي العمل بالمذاهب الأربعة وجواز العمل بغيرها:

أما سبب ترجيح بعض العلماء المذاهب الأربعة على غيرها؛ فهو لتوافر أمور خارجية تستدعي ذلك في نظرهم، وفي ذلك يقول ولي الله الدهلوي: إن في الأخذ بالمذاهب الأربعة مصلحة عظيمة، وفي الإعراض عنها مفسدة كبيرة، وبين وجه ذلك فيما ملخصه:

١ - إن الأمة اجتمعت على الاعتماد على السلف في معرفة الشريعة، فالتابعون اعتمدوا على الصحابة، وتبع التابعين اعتمدوا على التابعين، وهكذا في كل طبقة، لأن الشريعة لا تعرف إلا بالنقل والاستنباط، وهذا لا يستقيم إلا بأن تأخذ كل طبقة عمن قبلها، ولا بد من توافر ضبط المرويات وبيان ما فيها، وهو المتوافر في المذاهب الأربعة.

٢ - اندراس المذاهب الأخرى.

٣ - طروء اتباع الأهواء في القضاء والإفتاء (١) .

ولهذه الأسباب تقررت المقولة المعروفة عند الأصوليين في منع العمل بمذاهب الصحابة أو التابعين ما لم تقترن بالتوافق مع مذهب فقهي من المذاهب المدونة، وليس ذلك لأمر ذاتي في مذاهب السلف، بل لعدم النقل المنضبط المستكمل للقيود والشروط. ولهذا صرح الزركشي - ومن قبله العز بن عبد السلام - بأنه إذا صح عن بعض الصحابة مذهب في حكم من الأحكام لم تجز مخالفته إلا بدليل أوضح من دليله. ثم قال العز: لا خلاف بين الفريقين في الحقيقة، بل إن تحقق ثبوت مذهب عن واحد منهم جاز تقليده وِفَاقًا، وإلا فلا، لا لكونه لا يقلد، بل لأن مذهبه لم يثبت حق الثبوت.

قال ابن حجر الهيتمي: يجوز العمل بخلاف المذاهب الأربعة مما علمت نسبته لمن يجوز تقليده، وعرفت جميع شروطه عند المفهوم منه، إن العمل بالمقلد شرط في صحة التقليد ... وحاصل المعتمد أنه يجوز تقليد كل من الأئمة الأربعة، وكذا من عداهم ممن حفظ مذهبه في تلك المسألة، ودون تحت ما عرفت شروطه وسائر معتبراته، فالإجماع الذي نقله غير واحد على منع تقليد الصحابة يحمل على ما فقد فيه شرط من ذلك (٢) .


(١) عقد الجيد في الاجتهاد والتقليد، للولي الدهلوي، والبحر المحيط للزركشي: ٦/٢٩٠ نقلًا عن فتاوى العز بن عبد السلام.
(٢) الفواكه العديدة في المسائل المفيدة، للمنقور: ٢/١١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>