ومما سبق تتبين محاذير إضفاء القداسة والاعتبار القطعي على واحد من الاختلافات الفقهية، فإن الاختلاف لا يكون رحمة بالأمة إلا إذا استفيد منه دون تعصب لمذهب واحد أو اقتصار عليه، فالمرونة التي يتصف بها قسم من أحكام الشريعة (وراء الثوابت فيها) ، بما يضمن الصلاحية لها على اختلاف الأزمنة وتباين البيئات لا تتحقق إلا بالاستفادة من مختلف الاتجاهات الفقهية، فضلًا عن أن الإغراق في اعتبار مذهب إمام واحد وتخطئة الأئمة الآخرين يؤدي إلى القطيعة والتفرق، وأحيانًا إلى التخاصم والنتائج غير المرضية.
إن أتباع المذاهب الفقهية مدعوون للتوحيد والتعاون في مواجهة الغزو القانوني الوضعي للبلاد الإسلامية، وهي قضية مصيرية يجب تقديمها على الفتاوى الجزئية المتعجلة في حكم كل فريق على الآخر، ولابد من الأخذ بالشعار الذي رفعه المصلح الكبير الشيخ محمد رشيد رضا مستمدًا إياه من النصوص القرآنية والحديثية في اعتصام الأمة بحبل الله وعدم التفرق، وهو قوله: نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه. وليس هناك أمر متفق عليه أوضح من ضرورة الرجوع إلى الشريعة والفقه الإسلامي، ونبذ القوانين الوضعية المجافية لهما.
وفي ذلك يقول الدكتور عبد الرزاق السنهوري: وفي رأينا أنه حيث ينبغي الرجوع إلى الفقه الإسلامي في كتبه المعتمدة، سواء كان هذا الفقه هو المصدر الرسمي الذي تستمد منه الأحكام، أم كان هو المصدر التاريخي الذي تفسر في ضوئه النصوص التشريعية، يجب أن يراعى أمران جوهريان:
الأول: هو عدم التقيد بمذهب معين من مذاهب الفقه الإسلامي، فكل مذاهب الفقه يجوز الرجوع إليها والأخذ منها، ولا محل للوقوف عند أرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة، بل ولا التقيد بالمذهب الحنفي في جملته.
ولعلنا نذهب إلى مدى أبعد فنقول: إنه لا موجب للتقيد بالمذاهب الأربعة المعروفة. هناك مذاهب أخرى، كمذهب الإمامية والزيدية، يمكن الانتفاع بها إلى حد بعيد (١) .
(١) الوسيط شرح القانون المدني المصري، د. عبد الرزاق السنهوري: ١/٤٩.