لم يكن للأئمة توجيه خاص يدعو إلى الأخذ بمذاهبهم، أو إلزام الناس بتقليدهم، بل الذي ثبت عنهم أنهم نهوا الناس عن ذلك، وشددوا النكير على من يعمل بأقوالهم على وجه التقليد، دون أن يتعرف على سند القول ودليله.
فها هو ذا أبو حنيفة يقول:(لا ينبغي لمن لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي) ، كما أنه كان إذا أصدر فتوى قال:(هذا رأي النعمان بن ثابت، وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن جاءنا بأحسن منه فهو أولى بالصواب) .
وكذلك نقل عن الإمام مالك قوله:(ما من أحد إلا وهو مأخوذ من كلامه ومردود عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم) .
كما قال الإمام الشافعي:(إذا صح الحديث فهو مذهبي) ، وفي رواية:(إذا رأيت كلامي يخالف الحديث فاعملوا بالحديث، واضربوا بكلامي الحائط) ، كما روى عنه قوله:(مهما قلت من قول أو أصلت من أصل، فبلغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما قلت، فالقول ما قاله صلى الله عليه وسلم) - وقال الشافعي يومًا لتلميذه المزني:(يا إبراهيم لا تقلدني في كل ما أقول، وانظر في ذلك لنفسك فإنه دين) - وأخيرًا يقول الشافعي:(مثل الذي يطلب العلم بلا حجة، كمثل حاطب ليل يحمل حزمة حطب، وفيها أفعى وهو لا يدري) .