كما نهى الإمام أحمد بن حنبل بعض الناس عن التقليد عامة، فقال:(لا تقلدني ولا تقلدنَّ مالكًا، ولا الأوزاعي ولا النخعي ولا غيرهم، وخذ الأحكام من حيث أخذوا من الكتاب والسنة) .
لا ينبغي لأحد أن يفتي إلا من يعرف أقاويل العلماء، ويعرف مذهبهم، كما قال:(من قلة فقه الرجل أن يقلد في دينه الرجال) .
وقال الزركشي: هل يجب على العامي تقليد مذهب معين فيه كل واقعة؟.فيه وجهان: قال إلكيا: يلزمه، وقال ابن برهان: لا، ورجحه النووي وهو الصحيح.
فإن الصحابة رضوان الله عليهم لم ينكروا على العامة تقليد بعضهم من غير تعيين.
وأختم هذا البحث بكلام لابن المنير في توجيه المفاضلة بين المذاهب حيث يقول:
وقد ذكر قوم من أتباع المذاهب في تفضيل أئمتهم، وأحق ما يقال في ذلك ما قالت أم الكملة عن بنيها: ثكلتهم إن كنت أعلم أيهم أفضل؛ هم كالحلقة المفرغة لا يُدرى أين طرفاها.
فما من واحد منهم إذا تجرد النظر إلى خصائصه إلا ويغني الزمان حتى لا يبقى فيهم فضلة لتفضيل على غيره.
وهذا سبب هجوم المفضلين على التعيين لأجل غلبة العادة، فلا يكاد يسع ذهن أحد من أصحابه لتفضيل غير مقلده إلى ضيق الأذهان عن استيعاب خصائص المفضلين، جاءت الإشارة بقوله تعالى:{وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا}[الزخرف: ٤٨] ، يريد والله أعلم أن كل آية إذا جرد النظر إليها قال الناظر حينئذ: هذه أكبر الآيات، وإلا فما يتصور في آيتين أن تكون كل واحدة أكبر من الأخرى بكل اعتبار، وإلا لتناقض الأفضلية والمفضولية (١) .