المسألة الظنية من الفقهيات؛ إما أن يكون فيها نص أو لا، فإن لم يكن فيها نص فقد اختلفوا ولكل حجته، فقال قوم: كل مجتهد فيها مصيب، وأن حكم الله فيها لا يكون واحدًا، بل هو تابع لظن المجتهد؛ فحكم الله في حق كل مجتهد ما أدى إليه اجتهاده وغلب على ظنه، وهو قول القاضي أبي بكر وأبي الهزيل والجبائي وابنه، ورأي الغزالي والمزني.
وذهب بشر المريسي وابن علية وأبو بكر الأصم، ونفاة القياس كالظاهرية والإمامية، إلى أنه ما من مسألة إلا والحق فيها متعين وعليه دليل قاطع، فمن أخطأه فهو آثم غير كافر ولا فاسق، ولأن الحكم في كل واقعة لا يكون إلا معينًا، لأن الطالب يستدعي مطلوبًا، وذلك المطلوب هو الأشبه عند الله في نفس الأمر، بحيث لو نزل نص لكان نصًا عليه، والمختار أن الحق واحد من أصابه أصاب ومن أخطأه أخطأ. وهو رأي الأئمة الأربعة: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأكثر الفقهاء، وقد اتفق أهل الحق على أن الإثم محطوط عن المجتهدين في الأحكام الشرعية، وحجتهم على ذلك ما نقل نقلًا متواترًا لا يدخله ريب ولا شك، وعلم علمًا ضروريًّا من اختلاف الصحابة فيما بينهم من المسائل الفقهية - على ما سبق بيانه - ولم يصدر منهم نكير ولا تأثيم لأحد، فلو كانت المسائل الاجتهادية منزلة منزلة مسائل قطعية ومأثومًا على المخالفة فيها لبالغوا في الإنكار والتأثيم، ولتوفرت الدواعي على نقله، واستحالت العادة كتمانه، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم:((إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد))
(١) .
(١) موسوعة الفقه الإسلامي، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، مصر. ومن مراجعها هنا: الإحكام في أصول الأحكام للآمدي: ٤/٢٤٤ - ٢٤٧؛ والموافقات للشاطبي: ٤/١٢٤.