للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التقارب بين المذاهب الفقهية:

ناقش الحجوي زعم بعض الفرنج أنها متباعدة كتباعد فرق النصارى والكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس، وكتباعد الفرق اليهودية النسطورية والسامرية ونحوها، وهذا ضلال مبين يراد به التضليل، فإن فرق النصارى يكفر بعضهم بعضًا، ولا يعده من النصرانية في شيء، ولا يقتدي به، حتى إنه لا يصلي هذا في كنيسة ذاك، وكذلك فرق اليهود، وكم وقعت بينهم من معارك وسالت من دماء.

ثم قال: أما مذاهبنا، فليست كذلك بل يقتدي بعضهم ببعض، ويعتبر كل واحد أخاه مسلمًا، نعم يعتقد أنه مخطئ في بعض من المسائل غير معين على القول بعدم تصويب المجتهدين، أما على القول به، فالكل على صواب في كل المسائل، وليس البون بينهم بعيدًا، إذ لم يكن بينهم خلاف في العقائد وإنما هو خلاف ثانوي في الفروع فقط التي هي محل الاجتهاد يأخذ فيها كل واحد بما قام عليه الدليل عنده للاكتفاء في أدلتها بالظنيات، ولذلك كان كل واحد من الأئمة يجل الآخر، فقد أخذ أبو حنيفة عن مالك، كما أخذ مالك عنه، وأخذ الشافعي عن مالك، وقال فيه: جعلته حجة بيني وبين ربي، وأخذ ابن حنبل عن الشافعي، وأثنى بعضهم على بعض علمًا ودينًا، وهكذا كان جلة أصحابهم بعضهم مع بعض، ولم يقع بينهم الخلاف في كل فرع، بل في بعض الفروع التي قامت لكل حجة على رأيه (١) .

وقال محمد أبو زهرة: (الخلاف فيما يتعلق بالعقائد والفقه، لم يتجاوز الحد النظري والاتجاه الفكري، فإن العلماء الذين تصدوا لهذا لم يجرِ بينهم خلاف أدى إلى امتشاق الحسام، وطبيعة حياتهم العلمية لا تسمح لهم بأن ينقلوا الخلاف من ميدان القول إلى ميدان العمل، ولم يكن الاختلاف النظري ليصل في حدته إلى أن يجعلوه عمليًّا، ولم تظهر الحدة إلا في أن يحكم كل واحد على الآخرين بالخطأ أو الابتداع، بل إن الاختلاف في الفقه لم يتجاوز حد اختلاف وجهة النظر، حتى إن كل فريق من المختلفين يقول: (رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب) (٢) .


(١) الفكر السامي: ٤/٤١٥.
(٢) المذاهب الإسلامية، لأبي زهرة، ص١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>