للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا وقد أورد ابن تيمية تفصيلًا حسنًا في إطلاق الصواب على كل مجتهد في الظاهر، فقال: اختلف فيمن لم يصب الحكم الباطن: هل يقال: إنه مصيب في الظاهر، لكونه أدى الواجب المقدور عليه من اجتهاده وقصده، أو لا يطلق عليه اسم الإصابة بحال؟ وإن كان له أجر على اجتهاده وقصده الحق؟ على قولين، هما روايتان عن أحمد، وذلك لأنه لم يصب الحكم الباطن ولكن قصد الحق، واجتهد الاجتهاد المأمور به. والتحقيق أنه إن اجتهد الاجتهاد المقدور عليه فهو مصيب من هذا الوجه من جهة المأمور المقدور، وإن لم يكن مصيبًا من جهة إدراك المطلوب وفعل المأمور المطلق (١) .

إنصاف الأئمة المجتهدين:

امتنع الإمام مالك عن موافقة المنصور والرشيد في رغبتهما حمل الناس كلهم على مذهبه، وفي ذلك يقول مالك: (لما حج المنصور قال لي: إني قد عزمت على أن آمر بكتبك هذه التي وضعتها فتنسخ، ثم أبعث إلى كل مصر من أمصار المسلمين منها بنسخة، وآمرهم أن يعملوا بما فيها، ولا يتعدوه إلى غيره. فقلت: يا أمير المؤمنين، لا تفعل هذا، فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم ودانوا به من اختلاف الناس، فدع الناس وما اختار أهل كل بلد منهم لأنفسهم) (٢) ، ويقول أيضًا: شاورني هارون الرشيد في أن يعلق (الموطأ) في الكعبة، ويحمل الناس على ما فيه فقلت: لا تفعل، فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في الفروع، وتفرقوا في البلدان، وكل عند نفسه مصيب، فقال: وفقك الله يا أبا عبد الله (٣) .


(١) مجموع فتاوى ابن تيمية: ١٩/١٢٨.
(٢) الطبقات لابن سعد: ٦/٣٣٢.
(٣) حلية الأولياء: ٦/٣٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>