فقد عبر القرآن في هذه الآيات عن الأمة الإسلامية بـ (الذين آمنوا) إلى جانب سائر الأمم من أتباع الأنبياء وغيرهم. بل أعلن أنها خير الأمم:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران: ١١٠] بما لهم من المميزات والقيم ذكرها في كتابه.
وعندنا أن (الذين آمنوا) في الخطابات القرآنية رمز إلى هذه القومية الإسلامية التي نحن نسميهم (المسلمين) ، وهذه التسمية أيضًا أصلها من الله إذ جاء في القرآن:{هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا ... }[الحج: ٧٨] استجابة لدعاء إبراهيم عليه السلام إذ قال: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ}[البقرة:] ، وهذه التسمية رمز إلى أن أمة الإسلام أمة التسليم أمام الله، والسلم والسلام أمام الناس.
هذه نصوص قرآنية بشأن القومية الإسلامية، وأما السنة فقد أعلن النبي بها في وثيقة مهمة، وهي كتاب كتبه بين المهاجرين والأنصار لدى هجرته إلى يثرب جاء فيه:((هذا كتاب من محمد النبي بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، إنهم أمة واحدة من دون الناس ... )) (١) .
تأمل قوله عليه السلام:((إنهم أمة واحدة من دون الناس)) ؛
أي إلى جانب الناس من اليهود والنصارى والمشركين وغيرهم.
ومن هنا نقول: إن الإعلان بتأسيس وظهور الأمة الواحدة الإسلامية جاء متزامنًا مع الهجرة النبوية التي كانت بدورها إيذانًا بتشكيل الحكم الإسلامي، والذي أقامه النبي عليه السلام لدى وصوله يثرب التي سميت فيما بعد بمدينة الرسول، ثم أطلق عليها (المدينة) من دون إضافة إلى الرسول لشهرتها.
وكان من دعائم هذا الحكم الجديد الإلهي، أن المهاجرين والأنصار وجميع من كان معهم وجاهد معهم يشكلون أمة واحدة. ومن هذا المنطلق يصح لنا القول بأن قيام الحكم الإسلامي له دخل في مفهوم الأمة الواحدة الإسلامية، تسجيلًا لمعنى الطاعة والتسليم إطلاقًا وتعميمًا للحكم. وأن فيها معنى الاتباع للنبي القائد - ومن قام مقامه - في كل ما يأمر وينهى ومن أهمها الشؤون السياسية. وإنه سهل علينا إقامة شواهد من الكتاب والسنة على اهتمام الرسول باستقلال أمته، وقيامها بذاتها في أمورها، وتحذيره أمته من اتباع الآخرين في تقاليدهم وآدابهم، والاختلاط بهم وموالاتهم مما يطول الكلام بذكرها.
(١) سيرة ابن هشام، دار إحياء التراث العربي: ٢/١١٥.