للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ -المسؤولية المشتركة والمتبادلة:

لن تتحقق فكرة الأمة الواحدة عند المسلمين، ولا ترتكز في النفوس ولا تستقر في القلوب، إلا بوجود المسؤولية المتبادلة والمشتركة في نفوسهم، فما بقيت أمة من الأمم ولا أمة الإسلام خالدة إلا بتبادل هذه المسؤولية بين أبنائها، بأن يشعر كل فرد منهم في نفسه أنه مسؤول أمام الآخرين، فيتبادل ويشتد هذا الإحساس بينهم ليل نهار، لا يغفلون عنه قليلًا، فيحسبون الغفلة عنها نقصًا في إيمانهم وعيبًا في تقاليدهم، وعصيانًا لربهم وخروجًا عن دائرة أمتهم، ثم يرون أنفسهم مع غيرهم من أعضاء الأمة سواء في النفع والضرر، وفي البأساء والضراء، وفي الفلاح والخسران، ويكون همهم بهذه المسؤولية لديهم فوق كل همومهم، وأمنية فوق كل أمنياتهم؛ فيعيشون معها دائمًا، وهذا مغزى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم)) .

وقوله: ((يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم)) .

وهذا هو الذي أكده عليه السلام في العهد الذي عقده وكتبه بين المهاجرين والأنصار لدى هجرته، ومنه قوله: ((وإن ذمة الله واحدة يجير عليه أدناهم، وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض من دون الناس))

(١) ، وهذا تنجيز لقوله في أوله: ((إن المسلمين أمة واحدة من دون الناس))

وقد سبق.

ومن شروط القيام بهذه المسؤولية الاطلاع على أوضاع المسلمين: ابتداء بذوي القربى وأولي الأرحام والأسرة، ومرورًا على الجار القريب والبعيد - حسب ما أكدت به السنة الشريفة - وعلى أهل البلد، وانتهاء بالمسلمين القاطنين في بلاد أخرى إلى أقصى الأرض، ثم معرفة ما أحاط بهم من البأساء والضراء، وما يخاطرهم من الشرور والحدثان، وما تصيبهم من الفتن، وما تحمل عليهم من الحروب والضغوط، وما تستلزمه من الفقر والمرض والتخلف والانقراض.


(١) سيرة ابن هشام: ٢/١١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>