٣ – قيام الحكم الإسلامي: الوحدة الإسلامية تكون ذات شقوق وشُعب، ولا تكمل الوحدة إلا بتحققها جميعًا: فهناك وحدة اجتماعية، قوامها شعور المسلمين جميعًا بأنهم أمة واحدة ذات مسؤولية متقابلة ومشتركة بين أبنائها - وقد سبقت - وهناك وحدة سياسية، قوامها قيام حكم إسلامي في البلدان الإسلامية، ووجود سلطة عادلة فيها قائمة على أساس الشريعة الإسلامية، ملتزمة بالعمل بها في كل أعمالها، مهتمة بأمور المسلمين ورعاية مصالحهم والدفاع عن حقوقهم في الأوساط العالمية.
ومن أهم وظائف ومسؤوليات هذا الحكم في صعيد الثقافة، توسيع نطاق الفقه الإسلامي، ولاسيما في ناحية الفقه السياسي، وكذلك العلوم الإسلامية جمعاء، وصيانة الحضارة الإسلامية وإحيائها، ونشر الثقافة الإسلامية بكل فروعها، وإعداد العلماء والمثقفين، والعسكريين والحقوقيين وغيرهم، ملتزمين مؤمنين. وكذلك تربية الأجيال المؤمنة جيلًا بعد جيل، علمًا وعملًا، وخُلقًا، وأيضًا تحكيم روح العزة والشخصية الإسلامية في النفوس، وتحقيق العلو الإسلامي العادل السليم الذي بشر به القرآن في قوله:{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران: ١٣٩] ، وبقوله:{فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}[محمد: ٣٥] في المجتمع الإسلامي في كل قطر.
والحكم الإسلامي ركن الإسلام الذي لا يقوم الإسلام إلا به، وقد قام به النبي لدى هجرته المباركة، بعد أن وضع الله حجره الأول الأساس، وهيأ أرضيته قبيل الهجرة لما أذن بالقتال والدفاع في قوله الحكيم: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (٤١) } [الحج: ٣٩ - ٤١] ، وثناها بالأمر بالجهاد بقوله:{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ}[الحج: ٧٨] ، وأكملها بالترغيب إلى الهجرة والاستشهاد في سبيل الله بقوله:{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}[الحج: ٥٨] .