للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه أول آيات الجهاد والهجرة، جاءت في سورة الحج التي نزلت - على أصح الأقوال - بمكة المكرمة قبيل الهجرة، أو في طريقها، إيذانًا بأنه قد حان دور الحكم الإسلامي الذي ينشده النبي والمسلمون، ويتمنونه، وتبشيرًا بأن الله على نصرهم لقدير، وسوف ينصرهم على أعدائهم. ونحن نعلم أن القتال من أظهر أعمال الحكم. وكان المسلمون في مكة يريدون الدفاع عن أنفسهم بالسلاح، وكان الله تعالى يأمرهم بالصبر ليحين حينه، وقد حان بالهجرة.

والحديث في صعيد الحكم الإسلامي، أو الحكومة الإسلامية يتطلب محاضرات وأبحاثًا متتابعة، بل وكُتبًا متوالية، ولسنا نحن الآن بصدد بسط الكلام فيها، وإنما الغرض التأكيد على أن الحكم الإسلامي هو أساس هذا الدين، وعماد لإرساء قواعده، وضمان لإجراء أحكامه، وأنه لا ينبغي لمسلم التغافل عنه، زعمًا أن دور الحكم الإسلامي بما له من الخصائص والمميزات قد انقضى، وأن ليس أمام المسلمين في العصر الحاضر، سوى إقامة حكومات شعبية قائمة على أصوات الناس من دون ركونها إلى الإسلام. ونقول في جواب من يستبعد قيام الحكم الإسلامي، اعتقادًا بأن هذا الحكم - لو قام - سوف يعجز عن القيام بمسؤولياته إلى جانب الحكومات القائمة في العالم، أو زعمًا منه أن الإسلام في جوهره دين العبادة، دون السياسة، أو دين الحياة الآخرة، دون الحياة الدنيا، أو يشك في وجود قوانين وأحكام سياسية في الإسلام كفيلة بحاجات العصر، إلى غير ذلك من الأقاويل والآراء الناشئة على لسان أعداء الإسلام، أو من المسلمين أنفسهم في حقل الحكم الإسلامي، وكثير منها مصادمة لضروريات الإسلام.

ونقول لهؤلاء: أدل الدليل على إمكان الشيء وجوده - كما يقول الفلاسفة - فقد استقر الحكم الإسلامي منذ عشرين سنة، بكل مسؤولياته ومستلزماته في (الجمهورية الإسلامية في إيران) ، وقد نجح - ولله الحمد - مع وجود عقبات جسيمة، وقيام جنود مجندة من القوى الشيطانية ضده، وقد غلب وانتصر عليها جميعًا بإذن الله: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص: ٨٨] . و {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} [الروم: ٤] .

<<  <  ج: ص:  >  >>