الثاني: أن يظهر الحكم بمظهر شعبي، يتدخل الناس، في أصل استقرار النظام الحاكم، وفي انتخاب الحاكم، والمشاورين، بنحو من الأنحاء - من دون أن يكون محددًا بصورة خاصة -.
ومنها: أن الحكم الإسلامي الذي قام في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، وبعده كان واحدًا مسيطرًا على الوطن الإسلامي كله - المعبر عنه في الفقه بـ (أرض الإسلام) أو بـ (دار الإسلام) - واستمر إلى أمد بعيد، رغم الجهود الجارية ضده والثورات المتوالية هنا وهناك عليه، ورغم خلو كثير من الحكام من التحلي بشروط الحاكم الإسلامي، وانحراف كثير من الأحكام والأعمال الصادرة من هؤلاء الحكام عما قررته الشريعة الإسلامية، وبهذا العذر احتجت جملة من الثائرين على الحكام. وهذا؛ أي وحدة الحكم، هو الأصل المتبع في الإسلام، من دون دليل قطعي عليه سوى تلك السيرة المستمرة في صدر الإسلام، المستمدة - كما نستظهر - من تأكيد الإسلام كتابًا وسنة على الوحدة والتحذير عن التفرقة. ولاسيما أن جملة من الآيات الداعية إلى الوحدة مثل آيات سورة آل عمران: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: ١٠٢، ١٠٣]- وقد سبقت - سياقها سياسي باعتبار نزولها بعد غزوة أُحد التي اختلف من كان مع النبي حولها وتخلف عنها جماعة. وكانت مسألة سياسية.
إلا أن هذه الوحدة السياسية انفصمت فيما بعد، لأمور ثبتت في التاريخ الإسلامي - وهي عبرة لمن اعتبر - فتعددت الحكومات الإسلامية في أرض الإسلام شرقًا وغربًا، حتى قامت في قطر واحد - مثل الأندلس - حكومات متعارضة ومتحاربة فيما بينهم حتى انقرضوا جميعًا، وتركوا تلك الجنة المفقودة لغيرهم، وأصاب المسلمين ما أصابهم، من القتل والخروج من ديارهم والغرق في البحر إلى غيرها من المأساة.