لا تجد خبيرًا بالحضارات البشرية من ينكر أثر الحضارة الإسلامية ودورها في الحضارات المتأخرة، بل في حياة الإنسان الحضاري، فالإسلام بما له من السماحة والمرونة، والاعتراف بالحق والعدل والخير أينما وجدت، قد جمع في حوزته الحضارات السابقة، خاصة ما كانت للروم واليونان، والهند وإيران من الثقافة والعلوم، إلى جانب ما نشأ من تعاليم الإسلام القيمة، فأتى بحضارة لم تخطر على بال، وهي مفخرة للمسلمين عامة، كما هي ميراث لهم جميعًا، ولا تنحصر بشعب أو بناحية، فلكل منهم حظ وسهم فيها يتفاوت بينهم، حسب ما كانت لهم من الحضارات العريقة، ثم حسب استعدادهم لكسب العلم، واهتمامهم بأمر الحياة والثقافة.
والتي نركز عليها من ذلك كله، هي الثقافة الإسلامية العامة التي تعد شريان الحياة المعنوية للمسلمين. وهي تشمل العلوم الإسلامية، والأدب الإسلامي العام، واللغات الإسلامية الدارجة بين الشعوب المسلمة، والفن الإسلامي والصنايع والتقاليد والرسوم الإسلامية إلى غيرها.
فهذه الثقافة الشاملة العريقة من أقوى أسباب وحدة الأمة، وعنوان ومَعلَم لها، بل هي من أعظم معالمها وقيمها التي استمدت مادتها من الإسلام، وإليه تنتهي، ومنه نشأت.
ومن بينها اللغات الإسلامية، فإنها وإن اختلفت جذورها، إلا أن كثيرًا من ألفاظها الدارجة مأخوذة من اللغة العربية وهي أم لها جميعًا، وقسطًا كبيرًا من مفاهيمها في الأدب نثرًا أو نظمًا، والأناشيد والمحاورات العامة، أصلها القرآن والحديث.
ومن أجل ذلك فالاحتفاظ بتلك اللغات بما لها من اللون الإسلامي والطابع الديني، خدمة مشكورة لمواريث الإسلام. ولقد تفرست القوى المستعمرة في كل قطر أن لغاتها هي بنفسها رابطة إسلامية، ورباط وثيق بين الشعوب المسلمة فيما بينهم وبين الإسلام، فقاموا بإزالة هذه اللغات في كل ناحية سيطروا عليها، ونشروا بدلها لغاتهم التي جاءت متزامنة مع الاستعمار، فهذه اللغات كالمستعمرين أنفسهم أجنبية عن الإسلام والمسلمين، دخيلة بينهم.