للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥ -السماحة الإسلامية:

كل ما حصل للمسلمين من الحضارة والمعرفة والتقدم والقوة والوحدة وغيرها من القيم؛ هي رهين سماحة الإسلام ومرونته: فمثلًا القوة السياسية لا تترسخ في شعب من الشعوب إلا بوجود روح السماحة والتعايش السلمي فيما بينهم، وبها يتعارفون ويتفاهمون ويتشاورون ويستمعون الأقوال والآراء، ويتبعون أحسنها، وكذلك فعل المسلمون عملًا بقوله تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (١٨) } [الزمر: ١٧، ١٨] . وسماحة الإسلام ليست في أحكامه فحسب - تصديقًا لقوله عليه السلام: بعثت على الشريعة السمحة السهلة - بل يجب تحقيقها في الأرواح والنفوس، وفي الخصال والأفكار والآراء، لكي يكون المسلمون في عواطفهم وتفكيرهم وعقولهم ومعارفهم وأعمالهم كلها سمحاء، فيكونوا من أولي الألباب.

وإنما نؤكد على ترسيخ روح السماحة والمرونة بين أبناء الأمة الإسلامية، كفطرة إسلامية، وكطبيعة ثانية لهم، للوصول إلى خصلتين:

الأولى: الحيلولة بينهم وبين المفاخرات والتعصبات القومية والأحاسيس الشعبية والقبلية والحزبية ونحوها، فإنها لا تخفف صولتها إلا بهذه الخصلة الإلهية، ونحن نعلم - كما سبق - أن إحياء القوميات القديمة لدى الشعوب المسلمة حيلة استعمارية، فإذا غلبت على شعور القومية الإسلامية التي هي أساس وحدتهم وتضامنهم، فسوف يرجعون إلى جاهليتهم، ويبتعدون عن إسلامهم وأمتهم.

ونحن نؤكد أن الإسلام لم يأتِ ليزيل القوميات؛ بل اعترف بها كأمر واقع في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣] . فالقوميات محترمة ما لم تقم قبال التقوى التي بها قوام الأمة الإسلامية الواحدة حسب ما تقدم. وهذا جار في الأحزاب والجمعيات مما هي مثار التعصب والفرقة.

الثانية: - وهي أهم من الأولى - التحذير من التفرقة المذهبية التي ابتلي المسلمون بها - مع الأسف - منذ القرن الأول، ثم اشتدت، وربت، وتكثرت، وتشعبت بحماسة بالغة عند كل فرقة كما قال الله تعالى: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: ٥٣] . وقد غذاها جهل الشعوب بالإسلام، وأهواء المبتدعين، وطغيان الحكام والسلاطين، فجعلت من كل فرقة جماعة متعصبة عمياء، لا ترى الحق إلا ما عندهم، ولا الباطل إلا ما عند الآخرين.

<<  <  ج: ص:  >  >>