أعلام الوحدة الإسلامية: لا شك أن النبي عليه السلام بوصفه المؤسس للأمة الإسلامية، وأنه رسول الإنسانية والوحدة، وبما كان له من الخُلق العظيم، والسماحة، والعفو، والمداراة مع الناس، كان حريصًا على المؤمنين، وعلى تأليف قلوبهم وتوحيد صفوفهم، والسيرة الشريفة حافلة بذلك. ثم الخلفاء الراشدون اقتدوا به في كثير من الخصال، وخاصة في المشاورة بينهم وبين الصحابة فيما جد من الأمور، والأخذ بالعفو والتعايش السلمي، ولاسيما في عهد علي عليه السلام الذي بدأ فيه القتال بين المسلمين، فإنه بعد أن تغلب على خصومه في الجمل، عاملهم معاملة حسنة بسماحة بالغة، وهذا باب واسع لا نلجه.
وننتقل إلى ما بعد الصحابة إلى عهد ظهور المذاهب الفقهية، فهناك المثل الأعلى من التعايش العلمي بين أئمة المذاهب، ولاسيما بين الإمام جعفر بن محمد الصادق من أئمة آل البيت، وبين كل من الإمام أبي حنيفة إمام مذهب الرأي والقياس، والإمام مالك بن أنس إمام أهل الحديث. فقد تعلما عند جعفر بن محمد، وأخذا عنه، وبالغا في وصفه، كما جاء في الروايات ولاسيما في (جامع المسانيد) الحافل بما روي عن الإمام أبي حنيفة، و (المؤطأ) للإمام مالك، وسواه من آثار المالكية وغيرها، ففيها روايات تحكي لنا العلاقة المتبادلة المحترمة بين الإمام جعفر بن محمد وبين كل منهما.
وبعد هذا العهد، كلما تأخر الزمان نجد دائرة الشقة بين المذاهب تتوسع، ويظهر بين الأئمة الشقاق بدل الألفة والوفاق، ولا توجد نماذج ممن يتصف بالسماحة بينهم إلا النادر. ومن ذلك مثلًا الأشعري إمام الأشاعرة له كتاب في المذاهب الإسلامية، سماه باسم تلوح منه روح السماحة والإنصاف وهو (مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين) ، فذكر فيه عن كل مذهب ما كانوا عليه بلا نقيصة ولا زيادة، وسماهم مسلمين ومصلين.