للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن الإصلاح يعتبر من أعظم وأجل الطاعات وأفضل الصدقات؛ فالمصلح بين الناس له أجر عظيم وثواب كريم إذا كان يبتغي بذلك مرضاة الله تعالى، فأجره يفوق ما يناله الصائم القائم المشتغل بخاصة نفسه، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة، قالوا: بلى، قال: إصلاح ذات البين وفساد ذات البين هي الحالقة))

(١) ، ومعنى الحالقة أي تحلق الدين. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم، يعدل بين الناس صدقة))

(٢) ، وفي رواية قال: ((تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل على دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، قال: والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة))

(٣) ، وقوله: تعدل بين الاثنين، أي تصلح بينهم بالعدل.

إن الإصلاح بين الناس تفضل فيه النجوى، وهي السر دون الجهر والعلانية، ذلك أنه كلما ضاق نطاق الخلاف كان من السهل القضاء عليه، لأن الإنسان يتأذى من نشر مشاكله أمام الناس، فالسعي في الإصلاح يحتاج إلى حكمة، وإلا فإن الساعي أحيانًا قد يزيد من شقة الخلاف وحدته، قال تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: ١١٤] .

ولأهمية الإصلاح بين الناس رخص فيه الكذب، وذلك إذا كان سبيلًا للإصلاح ولا سبيل سواه، عن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرًا أو يقول خيرًا))

(٤) ، قوله ينمي خيرًا أي ينقل الحديث على وجه الإصلاح.


(١) رواه أبو داود.
(٢) رواه البخاري.
(٣) رواه مسلم.
(٤) رواه البخاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>