للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والكذب في الإصلاح بين الناس، مثل: أن يحاول المصلح تبرير أعمال كل من المتخاصمين وأقوالهما بما يحقق التقارب، ويزيل أسباب الشقاق والخلاف، وأحيانًا ينفي بعض أقوالهما السيئة فيما بينهما، وينسب إلى كل منهما الأقوال الحسنة في حق صاحبه مما لم يقله، مثل أن يقول: فلان يسلم عليك ويحبك، وما يقول فيك إلا خيرًا ونحو ذلك ... فأصلح أيها المسلم ما بينك وبين الله يصلح الله ما بينك وبين الناس، واحذر أسباب الشحناء والبغضاء، وإذا جاء إليك أخوك معتذرًا فاقبل معذرته ببشر وطلاقة، بل ينبغي أن تسعى أنت إلى إنهاء الشحناء وإن كان لك الحق، قال عمر رضي الله عنه: أعقل الناس أعذرهم لهم، وقال الحسن بن علي رضي الله عنهما: (لو أن رجلًا شتمني في أذني هذه، واعتذر إلي في أذني الأخرى لقبلت عذره)

(١) ، وروي أن الحسين بن علي رضي الله عنهما كان بينه وبين أخيه محمد ابن الحنفية خصومة عليهم رضوان الله، وبعد أيام كتب محمد إلى الحسين رسالة ضمنها اعتذاره منه، فما أن وصل الكتاب إلى الحسين حتى قام لساعته وذهب إلى أخيه محمد، فالتقى به في منتصف الطريق فتعانقا وبكيا وتصالحا (٢) .

أما الإصلاح بين الطوائف المتخاصمة أمر حتم، ولو لم يتم ذلك إلا بالعنف محافظة على الكيان العام للجماعة، وإبقاء لعلاقات المودة والإخاء، يقول الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠) } [الحجرات: ٩ - ١٠] ، وهذه قاعدة تشريعية عملية لصيانة المجتمع المؤمن من الخصام والتفكك والتفرق، والارتكان في هذا كله إلى تقوى الله، ورجاء رحمته بإقرار العدل والصلاح.

والقرآن قد واجه - أو هو يفترض - إمكان وقوع القتال بين طائفتين من المؤمنين، ويستبقي لكلتا الطائفتين وصف الإيمان مع اقتتالهما، ومع احتمال أن إحداهما قد تكون باغية على الأخرى، بل مع احتمال أن تكون كلتاهما باغية في جانب من الجوانب.


(١) الآداب الشرعية، لابن مفلح: ١/٣٤٠.
(٢) الحلال والحرام، لأحمد عساف، ص٥٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>