للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث السادس

معرفة حقوق الأخوة الإسلامية

ومراعاة آداب الخلاف بين المؤمنين

اقتضت مشيئة الله سبحانه وتعالى أن تتفاوت العقول، وتتباين المدارك، مما يؤدي إلى تعداد الآراء والاجتهادات، وقد أشار القرآن الكريم إلى أن الخلاف بين البشر سنة من سنن الله الكونية، قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود: ١١٨] ، ونود أن نشير هنا إلى أن الاختلاف الذي يقع بين الأمة؛ منه ما يكون في أمور العقيدة والأصول، ومنه ما يكون في مسائل الفروع والأحكام.

ولا خلاف في أنه بالنسبة للنوع الأول لابد من الإنكار على مَن خالف العقيدة الصحيحة، ولابد من دحض شبهات أصحابه؛ فهذه الأمور قد بينها الله ورسوله أجلى بيان، والمخالف فيها مخالف لأمور قطعية لا تقبل النقاش والجدال، وأما النوع الثاني فهو الذي نقصده بحديثنا هنا، ونريد أن نبين شيئًا من الأدب الذي كان يلتزمه سلفنا الصالح إذا ما وقع بينهم شيء من هذا الخلاف، يقول الشيخ رشيد رضا رحمه الله في مقدمته لكتاب (المغني) لابن قدامة: (ولما كان الاختلاف في الفهم من طبائع البشر؛ خص الاختلاف المذموم بما كان عن تفرقة أو سببًا للتفرق، وجرى على ذلك السلف الصالح فحظروا فتح باب الآراء في العقائد، وجعلوها في الفروع، وكان بعضهم يعذر بعضًا في المسائل الاجتهادية ولا يكلفه موافقته في فهمه) (١) .

وهناك أمور جعل الله فيها سعة، وجعل في الخلاف فيها بين المؤمنين سعة، ووقع الخلاف بين أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مثل هذه القضايا، فلا يجوز لنا أن نهدر الأخوة الإيمانية التي هي من ضروريات الدين.


(١) مقدمة المغني: ١/١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>