للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإليكم هاتين الصورتين اللتين توضحان لنا أدب الخلاف بين الصحابة رضوان الله عليهم:

الصورة الأولى (١) - بين عمر وابن مسعود رضي الله عنهما:

كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من أقرأ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكتاب الله، ومن أعلمهم بالسنة، حتى كان كثير من الصحابة يعدونه من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكثرة ملازمته له، قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: كنا حينًا وما نرى ابن مسعود وأمه إلا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كثرة دخولهم ولزومهم له، وقال أبو مسعود البدري مشيرًا إلى عبد الله بن مسعود: (ما أعلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ترك بعده أحدًا أعلم فيما أنزل الله تعالى من هذا القادم، فقال أبو موسى: لقد كان يشهد إذا غبنا، ويؤذن له إذا حجبنا، وعمر رضي الله عنه في الطرف الآخر معروف بفقهه وجلالة قدره، وكان ابن مسعود أحد رجال عمر في بعض الأعمال، وقد وافق عبد الله بن عمر في كثير من اجتهاداته حتى اعتبره الكاتبون في تاريخ التشريع أكثر الصحابة تأثيرًا بعمر، وكثيرًا ما كانا يتوافقان في اجتهاداتهما وطرائقهما في الاستدلال، وربما رجع عبد الله إلى مذهب عمر في بعض المسائل؛ كما في مسألة مقاسمة الجد والأخوة مرة إلى الثلث ومرة إلى السدس، ولكنهما اختلفا في مسائل كثيرة، ومن مسائل الخلاف بينهما: أن ابن مسعود كان يطبق يده في الصلاة وينهى عن وضعهما على الركب، وعمر كان يفعل ذلك وينهى عن التطبيق، كان ابن مسعود يرى في قول الرجل لامرأته أنت علىّ حرام يمين، وعمر يرى أنها طلقة واحدة، وكان ابن مسعود يقول في رجل زنا بامرأة ثم تزوجها: لا يزالان زانيين ما اجتمعا، وعمر لا يرى ذلك، ويعتبر أوله سفاحًا وآخره نكاحًا.


(١) أدب الاختلاف، صالح بن حميد، ص١٧ (بتصرف) .

<<  <  ج: ص:  >  >>