قال أحد العلماء: فقد يكون في بعض المذاهب الاجتهادية من التيسير ما ليس في البعض الآخر، وكثيرًا ما تتفاوت المذاهب الفقهية شدة ويسرًا، وإن كانت في مجموعها لا تخرج عن دائرة الأصول الشرعية التي بُنيت عليها. ومن الصور الفقهية الناطقة بذلك ما نجده بين الأئمة من اختلاف في الأحكام والفتاوى. وهذا في ذاته مصدر ثروة تشريعية ونظريات فقهية متعددة. ومما يشهد لذلك وينبه إلى الحكمة فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:((اختلاف أمتي رحمة)) .
وفي الموافقات للشاطبي تقرير ذلك وبيانه. قال القاسم بن محمد: لقد نفع الله باختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في أعمالهم، لا يعمل العامل بعمل رجل منهم إلا رأى أنه في سعة، ورأى أن خيرًا منه قد عمله. وقال: لقد أعجبني قول عمر بن عبد العزيز: ما أحب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا، لأنه لو كان قولًا واحدًا كان الناس في ضيق، وأنهم أئمة يُقتدى بهم. فلو أخذ أحد بقول رجل منهم كان في سعة.
ونحن لا نشك بأن في عودتنا لفقهنا وشريعة ربنا وأصالة تراثنا ما يفتح الآفاق الواسعة لإنقاذنا من التبعية الشائنة، ويحررنا من القوانين الأجنبية الوضعية التي لا تتماشى مع طبيعتنا ولا تتجاوب معنا، كما أن في ذلك تحقيقًا لأمانينا وبلوغًا لحاجاتنا وإننا بما نقوم به في مجمع الفقه الإسلامي نفتح سبيلًا جديدة لا نلتزم فيها بعد عمق النظر والدرس بمذهب واحد. وإنما هو الأخذ بالأقوى برهانًا، والأوفى بمقاصد الشارع وتحقيق المصالح.