وقد كان من مميزات الأئمة المتقدمين زمانًا وإحسانًا، والعلماء السابقين المتضلعين في الفقه عنايتهم بهذا الشأن واحتفاؤهم بهذا المنهج أمثال القاضي عبد الوهاب في الإشراف، والبيهقي في الخلافيات، وعبد الملك الجويني في الجمع والفرق، وابن الدهان في تقويم النظر، وابن رشد الحفيد في البداية، وابن قدامة في المغني، والقرافي في الذخيرة، ونحوهم. وهم بحمد الله كثر. كما تجلى مثل ذلك لدى الشريف المرتضى في الانتصار، والطوسي في الخلاف، والحلي في التذكرة، وابن المرتضى في البحر الزخار. ومثل هذه القوائم يطول في كل مذهب من مذاهب الفقه الإسلامي بإضافة العدد الكبير من علماء القرون الأخيرة ورجال عصرنا بما ألقاه الشيوخ من دروس في الجامعات الإسلامية، وأشرفوا عليه من رسائل في هذا الغرض. وقد لمسنا أثر ذلك في الموسوعات الفقهية، ووجدناه يتجدد على أيدي دعاة التقريب، أمثال الشيوخ عبد المجيد سليم، ومحمد أبو زهرة، ومحمود شلتوت، ومحمد محمد المدني والأعلام من فقهاء أهل البيت كالبروجردي، ومحمد الحسين كاشف الغطاء ونحوهم.
وإن مما يحقق التقارب بين أهل الملة ما وضعه مجمع الفقه الإسلامي من مشاريع تلتقي فيها آراء الفقهاء والعلماء من كل صوب، كالموسوعة الفقهية الاقتصادية، ومعجم المصطلحات الفقهية، ومعلمة القواعد، ومدونة أدلة الأحكام الفقهية التي دعت إليها جمهرة من فقهائنا وعلماء عصرنا ممن ينتمون إلى المذاهب الأربعة، ومن إخواننا من الإمامية والزيدية والإباضية المسهمين معنا في أعمال المجمع ومشاريعه. وقد كانت الدعوة صريحة إلى هذا التقارب والتوحيد في الخطاب الافتتاحي للمؤتمر التأسيسي لمجمع الفقه الإسلامي.
وهكذا تلتقي الريادات الإسلامية السامية والتوجهات الصادقة بإذن الله في رحاب دين الله وفي آداب وأحكام وأصول شريعته الخالدة على تحقيق التقارب الإسلامي، وتجديد بناء وحدة الأمة، معتبرة أن القيام بهذه الرسالة فريضة على المسلمين، وخاصة في هذه الظروف الصعبة الحالكة التي تمر بها المجتمعات الإسلامية. فإنه لا يدرأ عنها الأخطار وشرور الفتنة، ولا يقيها أسباب التصدع وعوامل الفناء والانقراض إلا رجوعها إلى دينها وتمسكها بشريعتها وعملها الجاد في إنقاذ وحدتها وإعلاء كلمتها، وإيجاد الحلول الشرعية لما يجد أو يستشكل من قضايا العصر في كل المجالات.