(ولقد أدت الشريعة الإسلامية في الماضي وظيفتها العظيمة - كما قال أحد أعلام رجال القانون - وذلك طالما كان المسلمون متمسكين بها، عاملين بأحكامها. تمسك بها المسلمون الأوائل وعملوا بها وهم قلة مستضعفة يخافون أن يتخطفهم الناس. فإذا هم في عشرين سنة سادة العالم وقادة البشر. وما أوصلهم لهذا إلا الشريعة الإسلامية التي علمتهم وأدبتهم، ورققت نفوسهم، وهذبت مشاعرهم، وأشعرتهم العزة والكرامة، وأخذتهم بالمساواة التامة والعدالة المطلقة، وأوجبت عليهم أن يتعاونوا على البر والتقوى، وحرمت عليهم الإثم والعدوان، وحررت عقولهم ونفوسهم من الجهالات والشهوات. كان ذلك حال المسلمين طالما تمسكوا بشريعتهم، فلما تركوها وأهملوا أحكامها تركهم الرقي، وأخطأهم التقدم، ورجعوا القهقرى إلى الظلمات التي كانوا فيها يعمهون من قبل، فعادوا مستضعفين مستعبدين لا يستطيعون دفع معتد ولا الامتناع من ظالم) .
ولعمري إن الجهود الكبيرة لخدمة الإسلام وبناء الأمة لا يستطيع أن ينهض بها على أكمل الوجوه غير علماء الملة. فإنهم المسؤولون عن ترشيد السير، وعن النصيحة لكل مسلم، وهم غرس الله الذي لا يزال يغرسهم في دينه، وهم الذين عناهم الإمام علي كرم الله وجهه بقوله:(لن تخلو الأرض من قائم لله بحجته) .
وإني لأقف في هذه المناسبة، لأحييكم أيتها الصفوة الكريمة من العلماء، السادة النجباء، والأئمة الفقهاء لما صرفتم فيه أوقاتكم من طاعة الله، ودعوتم مخلصين لمنهجه، والتزمتم بأحكامه وآدابه، وطلعتم على الناس بالبحوث العلمية المفيدة، والفتاوى الفقهية النافعة بإذن الله، فمناظرة أمثالكم في الدين فرض، والاستماع لكم ولما تعمرون به مجالسكم أدب. ومذاكرتكم تلقيح للعقول واستزادة من الخير. فجزاكم الله أحسن الجزاء، وآتاكم الحكمة وبوأكم مقامًا عليًّا في معرفة أحكام الشريعة.
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد نبي الرحمة، ومنقذ الأمة، وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته وسلم تسليمًا.