بعض ما كنت أريد أن أقوله قاله بعض الإخوة، لكن الأهم لم يقله أحد. لست أدري لماذا كلما ذكرت كلمة الوحدة الإسلامية تناولها من جرأ على تناولها بكثير من الحزن والتحرج، ألا أننا ألفنا التعدد القطري والقومي والتشجر الطائفي والتشرذم بين الأمم وكل يوم نقرأ في القرآن {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}[المؤمنون: ٥٢] ؟ فهذا يعني أننا ونحن متفرقون ليست هذه أمتنا، وهذا يغني أن إسلامنا ناقص إن لم يكن معدومًا.
سبل الوحدة ليس من الضروري أن تكون الرجوع إلى المركزية، أمامنا الآن في هذا العصر أنماط بعضها تحقق وبعضها في سبيل التحقق. فلما لا نحاول وقد غلبنا على تقليد الآخرين أن نقلدهم في هذه السبل؟ الدول الإسلامية الآن تتجاوز الخمسين، لماذا لا نحاول أن نسلك طريق أوروبا في دراسة أسباب الوحدة وتحقيقها تدريجيًّا؟. نحن أعضاء في هيئة الأمم المتحدة، لماذا لا نحاول أن نكون هيئة الدول الإسلامية المتحدة، لماذا لا نحاول أن نطور منظمة المؤتمر الإسلامي إلى أن تصبح كهذه الهيئة لها مجلس توصيات، ولها مجلس قرارات إن لم يكن لبعض أعضائها نقض فعلى الأقل أن تكون لها قرارات إجماعية أو توصيات إجماعية كسبيل لاستعادة الخلافة التي انهارت آخر رموزها على يد اللعين كمال أتاتورك منذ خمسة وسبعين عامًا.
إلى متى التباكي والبكاء على وحدة لن تتحقق بمعالجة التفرق المذهبي؟ فذلك داء عضال لا يمكن أن يعالج بعد أجيال وأجيال. ومن وسائل معالجته أن تجتمع مصالحنا في جهاز واحد ينظمها وينسقها من أعلى، على أن يبقى لكل قطر ولكل قوم مجالهم للتحرك والإنتاج والعمل.
لقد آن الأوان أن نخرج من الأحلام والتباكي وإلقاء المسؤوليات على الاستعمار وما فعل. وما فرق، إنما تفرقنا نحن منذ أواخر الدولة العباسية حين أصبح للديلم ملك وللفرس ملك ... انقسم إلى ملوك، وفي المغرب ملك وفي الجزائر مملكات وفي تونس كذلك، لم يفرقنا الاستعمار لكن وجدنا متفرقين فتعمق التفرق، إن نكن مسلمين حقًّا فعلينا أن نعود إلى القرآن، والسبيل إلى القرآن ممهد ولن نختلف مع الآخرين الذين نعايشهم في هذا العصر لا بل نعمل مثل ما عملوا ونفعل شكل ما فعلوا، ولن تكون منهم علينا ملام إن نكن نخشى ما يسمونه بالنصح أحيانًا وما يسمونه بالضغط أحيانًا. هم يتوحدون وعلينا نحن أيضًا أن نتوحد بإحدى طرق الوحدة الكثيرة الموجودة الآن.
ألهمنا الله الرشد ووفقنا إلى سواء السبيل، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.