للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفيلسوف (سبنواز) الذي يصل إلى حد الدعوة إلى أن تتحكم السلطة المدنية في الدين تحكمًا مطلقًا، ليس هذا فحسب، بل حتى مظاهر العبادة التي يجب أن تكون تبعًا للدولة وفائدتها.

وجاء بعده (ديفيد هيوم) الذي اعتبر الدين حاجة نفسية، و (فولتير) الذي نحا نفس المنحى، ووصل الأمر إلى (جان جاك روسو) الذي حث الدولة على إنكار الدين، وألا تسمح بوجود سلطة كنسية إلى جنبها، وحصر الدين في أمور هي: (وجود الله، العناية الإلهية، الثواب والعقاب) ، أي أنه أنكر الكتب والرسل وجميع الغيبيات - وسنجد ترديد صدى هذا الأمر لدى غلاة العلمانيين العرب المعاصرين -.

وترابط هذا الاتجاه مع مذهب ديكارت، وتفاعل هذا التيار حتى شمل جميع أوروبا، إلى أن ظهرت العلمانية المفرطة في الإلحاد، ومن رموزها (سان سيمون) و (أوغست كون) ، والتي لا تعتبر أي قيمة لأي شيء إلا الشيء الخاضع للاختبار الحسي، وهكذا استبعدت بجلاء جميع الحقائق الروحية والغيبية، واهتز شأن العقل والبرهان العقلي، ودخل العالم في مرحلة المادية.

وتبعه فلاسفة آخرون، إلى أن وصل الأمر إلى اعتبار الدين شرًا لا فائدة منه على الإطلاق، وأصبح مفهوم الدولة مناقضًا للدين، ووُضِع الإنسان مكان الله (وسنجد ترديد هذه الأقوال لدى غلاة العلمانيين العرب الذين يقولون بالديالكتيك والوحي الصاعد) .

وتوج كل هذا الفكر (كارل ماركس) بمضمونه المادي الصرف الذي رفض معه كل دين، واعتبر الأديان أفيون الشعوب، وبدأت الحروب على الأديان، فتم إقصاؤها من مجالات التعليم والتوجيه والقِيَم، وحتى الممارسة الدينية الشخصية (١) .


(١) العلمانية، محمد مهدي شمس الدين، ص ١٤٣ - ١٥٦ بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>