للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كيف دخلت المبادئ العلمانية إلى المجتمع المسلم؟

وإذا كانت غزوة بونابرت (١٧٦٩ - ١٨٢١م) لمصر (١٢١٣هـ/١٧٩٨م) قد مثلت بداية الغزوة الاستعمارية الغربية الحديثة لوطن العروبة - قلب العالم الإسلامي - بعد أن التف هذا الاستعمار حول هذا العالم - عبر أربعة قرون! - فإن هذه الغزوة قد تميزت عن سابقتها الصليبية (٤٨٩ - ٦٩٠هـ، ١٠٩٦ - ١٢٩١م) باستهدافها احتلال العقل، واستبدال الفكر، وتغيير الهوية - مع احتلال الأرض، ونهب الثروة، واستعباد الإنسان!.. فكانت العلمانية واحدة من الوافد الغربي في ركاب الغزاة.. وللمرة الأولى تترجم الكلمة الفرنسية (Laique) بكلمة (علماني) في المعجم الفرنسي العربي الذي صدر سنة ١٨٢٨م، الذي وضعه (لويس بقطر المصري) الذي خدم جيش الاحتلال الفرنسي بمصر، ثم رحل معه، ليدرس العامية المصرية في مدارس باريس!!.. ترجمت (اللائكية) بالعلمانية، من (العلم) نسبة إلى (العالم) باعتباره (الدنيا) المقابلة (للدين) .

وفي كل موقع من بلاد الإسلام قامت فيه للاستعمار الغربي سلطة ودولة، أخذ هذا الاستعمار - شيًا فشيئًا - يحل النزعة العلمانية في تدبير الدولة وحكم المجتمع وتنظيم العمران محل (الإسلامية) ، ويزرع القانون الوضعي العلماني حيثما يقتلع شريعة الإسلام وفقه معاملاتها..

ففي الجزائر وتونس، أخذ الاستعمار الفرنسي في إحلال القانون الوضعي العلماني محل الشريعة الإسلامية وقانونها، وكذلك صنعت إنجلترا بمصر بعد أن احتلتها.. وعن هذا الغزو القانوني بالوافد العلماني يحدثنا عبد الله النديم (١٢٦١ - ١٣١٣هـ، ١٨٤٥ - ١٨٩٦) فيقول: (إن دولة من دول أوربا لم تدخل بلدًا شرقيًّا باسم الاستيلاء، وإنما تدخل باسم الإصلاح وبث المدنية، وتنادي أول دخولها بأنها لا تتعرض للدين ولا للعوائد،

ثم تأخذ في تغيير الاثنين شيئًا فشيئًا.. كما تفعل فرنسا في الجزائر وتونس، حيث سنَّت لهم قانونًا فيه بعض مواد تخالف الشرع الإسلامي، بل تنسخ مقابلها من أحكامه، ونشرته في البلاد، واتخذت لتنفيذه قضاة ترضاهم، ولما لم تجد معارضًا أخذت تحول كثيرًا من مواده إلى مواد ينكرها الإسلام، توسيعًا لنطاق النسخ الديني، ولم نلبث أن جاريناها، (في مصر) وأخذنا بقانون يشبهه) (١) .


(١) معركة المصطلحات بين الغرب والإسلام، د. محمد عمارة، ص٢٦ - ٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>