لقد أدرك الاستعمار أنه لا يمكن أن يستمر ما لم يغير البنية الثقافية والتشريعية في الشعوب، فظهر الاستشراق خادمًا للاستعمار، وبدأت مرحلة التدليس وتشويه صورة الإسلام بإثارة شبهات مكشوفة. وقد وقف المسلمون من الاستشراق موقف المتحفز المستريب.
فبالرغم من الهزيمة العسكرية والسياسية للعالم الإسلامي إلا أنه لم يُهزم في النواحي الشرعية، وظل العلماء صامدين محافظين على منهجهم العلمي في شتى العلوم الإسلامية:(القرآن - السنة - الفقه وأصوله) في صمود يُضرب به المثل. فظل ضمير الأمة وهويتها ثابتًا، وإن لم يتمكن العلماء من الانتصار إلا أنهم انتصروا في المحافظة على هذا التراث للمؤمنين الصادقين، ولو ترك المجال للمستشرقين لانتشر الفساد والإفساد وعمت البلوى.
وبعد ذلك رأى الاستعمار أن يغرس هذه الأفكار في بعض أبناء جلدتنا، وهم التيار الذي انطلت عليه أفكار الاستشراق والعلمانية، فبدأت في الهند حركة (أحمد خان) التي قامت على الافتتان بالعلم الطبيعي، والتي ألغت القبول بالمعجزات والغيبيات وخوارق العادات، وجعلت النبوة غاية تحصل وتكتسب - وهذا ما نجد ترديده بعد أكثر من مائتي عام لدى حسن حنفي حول النبوة، وكونها درجة أعلى من الكهانة -.
وتلقف بعده آخرون هذه الفكرة، وأخذت تروج وتروج حتى وجدنا مَن يدعونا إلى تتبع خطوات أوروبا حذو النعل بالنعل حلوها ومرها، كما ورد في كتاب (مستقل الثقافة) لطه حسين، وأشرب هؤلاء الأقوام هذه الفكرة في قلوبهم، فنجد أنهم في تزايد مستمر، وملكوا من الأبواق ووسائل الإعلام ودور النشر وغيرها ما يبثون بواسطته هذه الأفكار المسمومة، فتارة تلميح وتارة تصريح، إلى أن بلغ اليوم السيل الزبى، فبدؤوا بالتشكيك في العلماء وقذفهم بأبشع الأوصاف لفصل الناس عن علمائهم، ثم انتقلوا إلى التشكيك في رواة الأحاديث، ثم انتقلوا إلى التشكيك في الصحابة، ثم وصلوا إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم، فمنهم من ادَّعى أنه جاء ليؤسس الدولة الهاشمية أو الدولة القرشية، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل اتهم بعضهم القرآن الكريم بالفوضى (محمد أركون) .