للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلنقارن بين هذا القول وقول علماء المسلمين، فمثلا الشيخ ابن تيمية ألف كتابًا أسماه: (درء تعارض صحيح المعقول مع صحيح المنقول) وهذا العنوان كافٍ لإبراز قيمة العقل في الإسلام، ونجد الإمام الغزالي يقول:

(فمثال العقل البصر السليم عن الآفات والأدواء، ومثال القرآن الشمس المنتشرة الضياء، فأخلق بأن يكون طالب الاهتداء المستغني بأحدهما عن الآخر في غمار الأغبياء، فالمُعرِض عن العقل مكتفيًا بنور القرآن مثاله المتعرض لنور الشمس مغمض الأجفان، فلا فرق بينه وبين العميان، فالعقل مع الشرع نور على نور

) (١) .

ويقول الإمام محمد عبده:

(أول أساس وضع عليه الإسلام هو النظر العقلي) ، فنحن نؤمن بالله سبحانه وتعالى بالعقل، فإذا آمنا بالله حقًا وجب اتباع الشرع الذي أنزله الله، فلا تعارض بين العقل والنقل، وإنما توهم التعارض ينشأ ممن يزعم أن الهوى عقل، وممن لا يحيط الإحاطة التامة بآيات القرآن وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، وممن ينظر فقط من زاوية واحدة فالإسلام كل لا يتجزأ.

في مثل هذا الجو وحينما أصرت الدول الاستعمارية على اعتبار أن ما صلح لهم بالضرورة يصلح لنا؛ اصطدمت بهذه العقيدة الأكثر شموخًا من عقائدهم الدنيوية أو الدينية، فروجت لها بكافة الأساليب، سواء باحتضان فئات من المسلمين وتعليمهم هذا الاتجاه، ثم إيصالهم إلى مراكز حساسة، خصوصًا في القنوات الثقافية والإعلامية، للتدليس على الناس بأن هذا هو طوق النجاة وطريق الحضارة للتخلص من التخلف، ففرضت الاتجاهات العلمانية سواء المعتدلة أو المتطرقة المغالية، فحصل الاصطدام الذي أدى إلى الازدواجية في نفسية المؤمن، فإذا لم يتواءم الإنسان مع ذاته ومعتقداته فأي حضارة سيبني، وإن لم يكن متوائمًا مع ذاته فكيف يتواءم مع مجتمعه؟ ثم وجدت فئات مختلفة من المسلمين، فئة رفضت بشدة، وفئة استسلمت، وفئة حاولت التوفيق، ولكن مع ازدياد الضنك الاقتصادي والاجتماعي والسياسي تفجر الرفض العنيف داخل المجتمع الإسلامي، وظهرت موجات التطرف، فمن المسؤول عن ظهور هذه الاتجاهات؟


(١) الاقتصاد في الاعتقاد، نقلا عن الإسلام بين التنوير والتزوير، د. محمد عمارة، ص٣٠ - ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>