للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أليسوا هم مَن أوجد التطرف؟ ليس هذا فحسب، بل ينسون فعلتهم ثم يشيرون إلى أن الإسلام غير قادر على تمثل الحضارات، وأن الإسلام معيق للتطور، وهي دعوة يدحضها الواقع.

فالدولة الإسلامية التي التزمت المنهج العلماني المغالي (تركيا) والتي تدخلت حتى في زي الناس وحريتهم في العبادة وتعليم القرآن، وظنت أنها بمجرد خلع الطربوش ولبس البرنيطة، وخلع الحجاب وتقصير الثياب تأخذ بأسباب الحضارة، نجد أنها بعد أكثر من (٥٠) عامًا من تطبيق هذا المذهب لم تقدم أي شيء في شتى المجالات الاقتصادية والتقنية والحضارية والثقافية، بالرغم من استخدام الحرف الأوروبي وإلغاء الحرف العربي، وبالرغم من الاستسلام الكامل للمذهب العلماني، إلا أن أوروبا مازالت ترفضها ولا تعتبرها منها بالرغم من أن إخلاصها للعلمانية كان أشد إخلاصًا من الأوروبيين للعلمانية.

وتثور اليوم صيحات عن الصدام الحضاري، ولأول مرة في التاريخ نسمع باصطدام حضاري، فالحضارات المادية لا تتصادم ولكن تتكامل، فالعلم حقيقة علمية تُكتشف وتُبنى عليها حقيقة أخرى وهكذا.

فالاصطدام إذن ليس صدامًا حضاريًّا، وإنما هو صدام مفتعل بين من يرغب في فرض نموذجه على الآخرين، وفرض الدواء الذي قد يناسب جسمه على من لا يناسبه هذا الدواء.

وحينما يقولون ويحتفلون بالتنوير الذي أتانا مع حملة نابليون، فإن كان ثمة تنوير فقد كان عندهم وبالنسبة لهم، أما في تلك العصور فكنا نعيش أزهى فترات حياتنا، فإن كان الدين عندهم كما قال (فرانسيس بيكون) : (الدين يحد من كل ألوان المعرفة) (١) ، فالدين عندنا يفتح جميع أبواب المعرفة.

فإذا لم يكن لديهم وحي مقدس، واعتبروا أن الطبيعة هي الوحي المقدس، فوحينا ولله الحمد محفوظ موثق لا يتعارض مع العقل أو المنطق.


(١) الإسلام بين التنوير والتزوير، د. محمد عمارة، ص٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>