وتأتي الآية التالية محكمة الدلالة على هذه النقطة، وعلى ما تجب الإشارة إليه من باب الفطرة والتدين بوجه عام، قال تعالى:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}[الروم: ٣٠] .
فقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم - وكل مكلف من بعده - بإقامة وجهه للدين، أي بأن يتجه ويلتفت تلقاء الدين ونحوه. وإقامة الوجه - كما يقول المفسرون - (هو تقويم المعتقد، والقوة على الجد في إعمال الدين) .
وهذا شاهد من الغربيين يصرح بذلك:
يقول الفيلسوف آرنست رينان:(إنه من الممكن أن يضمحل كل شيء نحبه، وأن تبطلَ حرية استعمال العقل والعلم والصناعة، ولكن يستحيل أن ينمحي التدين، بل سيبقى حجة ناطقة على بطلان المذهب المادي - الإلحاد - الذي يريد أن يحصر الفكر الإنساني في المضايق الدنيئة للحياة الأرضية) .
وجاء في معجم لاروس للقرن العشرين:
(إن الغريزة الدينية مشتركة بين جميع الأجناس البشرية، حتى أكثرها همجية وأقربها إلى الحياة الحيوانية، وأن الاهتمام بالمعنى الإلهي وبما فوق الطبيعة هو إحدى النزعات العالمية الخالدة للإنسانية)(١) .
إن التصور الإسلامي لنطاق عمل الذات الإلهية يتعدى حدود الخلق للمخلوقات، إلى حيث يكون الله - سبحانه وتعالى - أيضًا الراعي والمدبر لكل عوالم وأمم وعمران المخلوقات.
(١) القومية والعلمانية، د. عدنان زرزور، ص١٠٣ - ١٠٩.