لقد سفه القرآن الكريم تصور الوثنية الجاهلية - وهو ذاته التصور الأرسطي - لنطاق عمل الذات الإلهية فهو في التصورين مجرد خالق، بينما التدبير للدنيا والعمران موكول - في الأرسطية - إلى الإنسان والأسباب المودعة في الطبيعة وظواهرها - وهو - في الوثنية الجاهلية موكل إلى الشركاء والأصنام والطواغيت.
وفي مقابل ذلك يقدم الإسلام تصوره لنطاق عمل الذات الإلهية: خالق كل شيء.. ومدبر كل أمر.. حتى ما هو مقدور للإنسان، وداخل في نطاق قدرته وإرادته وفعله، هو فيه خليفة لله - سبحانه وتعالى - يدبره الإنسان، بإرادة إلهية، وتكليف شرعي.. فلله - في التصور الإسلامي - (الخلق) و (التدبير) جميعًا!.. {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}[يونس: ٣]{أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[الأعراف: ٥٤](١) .
العلمانية ودعوى التناقض بين العقل والدين، وبين العلم والدين:
أولًا: ادعاؤهم وجود التناقض بين العقل والدين (ولكن أي دين؟ الدين الذي كان سائدًا لديهم) ، وبنوا على هذا الادعاء الباطل مقولتهم التي تتضمن ما يلي:
بما أن العقل ميزانه صحيح يدرك الحق حقًّا والباطل باطلا ويكشفهما، فالدين هو الذي ينبغي طرحه وعدم الاعتماد عليه. ويتجرأ الوقحون منهم فيقولون:
(إن الدين خرافة وأوهام من صناعة أوهام الناس، أو من اختلافاتهم لخدمة مصالحهم) .
(١) معركة المصطلحات بين الغرب والإسلام، د. محمد عمارة، ص٣٢ - ٣٣.