للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد سفه القرآن الكريم تصور الوثنية الجاهلية - وهو ذاته التصور الأرسطي - لنطاق عمل الذات الإلهية فهو في التصورين مجرد خالق، بينما التدبير للدنيا والعمران موكول - في الأرسطية - إلى الإنسان والأسباب المودعة في الطبيعة وظواهرها - وهو - في الوثنية الجاهلية موكل إلى الشركاء والأصنام والطواغيت.

سفه القرآن الكريم هذا التصور عندما قال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر: ٣٨] فجعل الخلق لله، والتدبير لغير الله تصور جاهلي مرفوض.

وفي مقابل ذلك يقدم الإسلام تصوره لنطاق عمل الذات الإلهية: خالق كل شيء.. ومدبر كل أمر.. حتى ما هو مقدور للإنسان، وداخل في نطاق قدرته وإرادته وفعله، هو فيه خليفة لله - سبحانه وتعالى - يدبره الإنسان، بإرادة إلهية، وتكليف شرعي.. فلله - في التصور الإسلامي - (الخلق) و (التدبير) جميعًا!.. {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [يونس: ٣] {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: ٥٤] (١) .

العلمانية ودعوى التناقض بين العقل والدين، وبين العلم والدين:

أولًا: ادعاؤهم وجود التناقض بين العقل والدين (ولكن أي دين؟ الدين الذي كان سائدًا لديهم) ، وبنوا على هذا الادعاء الباطل مقولتهم التي تتضمن ما يلي:

بما أن العقل ميزانه صحيح يدرك الحق حقًّا والباطل باطلا ويكشفهما، فالدين هو الذي ينبغي طرحه وعدم الاعتماد عليه. ويتجرأ الوقحون منهم فيقولون:

(إن الدين خرافة وأوهام من صناعة أوهام الناس، أو من اختلافاتهم لخدمة مصالحهم) .


(١) معركة المصطلحات بين الغرب والإسلام، د. محمد عمارة، ص٣٢ - ٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>