ومن مفارقات الأمر أن المسلمين هم الذين يطالبون بالتمسك بحرية العقيدة، وهم الذين يطالبون بالعدل والمساواة، ولكن طالما أن هذه المبادئ ستؤدي إلى مصلحة الإسلام فلا غرابة أن تشوه صورهم بالاتهام بالتطرف والإرهاب وممارسة القمع عليهم.
- لقد دأب المستغربون من أبناء المستشرقين على ترديد عبارة أن الإسلام انتشر بقوة السلاح، مع أن مقولات الغربيين مثل غوستاف لوبون (وهو غربي) تؤكد أن الإسلام لم يفرق بين العرب والعجم، فيقول:
(إن وجود أعراق مختلفة في كافة الأراضي التي فتحها الإسلام كانت له نتيجة أخرى، وهي أن العرب اضطروا للاختلاط بالشعوب التي كانوا يعيشون بين ظهرانيها، صحيح أنهم اختلطوا بأعراق لم تكن أدنى منهم بكثير، مثل مسيحيي إسبانية، وقد كان بإمكان العرب أن يكتسبوا منهم بعض القدرات، ولكن اختلطوا بأعراق أدنى منهم بكثير، مثل شعوب آسيا وإفريقية، ولم يكن العرب إلا من الخاسرين، وفي الحالتين كان من شأن هذا التقاطع أن يؤدي في نهاية الأمر إلى تحطيم السمات التي كانت تطبع العرق العربي، إلى أن يقول:
إن جعل العديد من الشعوب المنتمية إلى أعراق مختلفة وتحمل مشاعر متمايزة عن بعضها البعض تعيش سوية، إنما هو مشروع شديد الصعوبة، ولا يمكن في أغلب الأحيان أن يكون ممكنًا إلا بفعل إكراه شديد القسوة، إلى أن يعترف أخيرًا بقوله:
والمؤسسات التي حملوها معهم إلى الجوار ثم القبول بها بسرعة شديدة جعل كافة الذين اعتنقوا الإسلام يُعامَلون من قِبَل العرب على قدم المساواة، كان ذلك هو ما ينص عليه القرآن، ولم يكن الفاتحون راغبين في خرق هذا النص
) . اهـ (١) .
فالإسلام ارتقى عن أدران القومية العرقية، لأنه رسالة إلهية إلى الإنسانية، فجعل الالتفاف حول الدين بكل ما فيه من قِيَم لا يمكن أن توصف إلا بأنها قمة إنسانية، فتجمُّع المسلمين على مفهوم حضاري وليس عرقيًّا تعصبيًّا، وعليه فإن ما يذهب إليه العلمانيون من انتشار اللغة العربية وبالتالي الإسلام كان بالإكراه مقولة مدحوضة، فقد غُزيَت هذه المجتمعات بدول وديانات وثقافات أخرى، فلماذا انخذلت وبقيت اللغة العربية وبقي الإسلام حتى بعد انحسار الدولة الإسلامية؟.
(١) القومية والعلمانية، د. عدنان محمد زرزور، ص١٧ - ١٨.