١ - هم يدعون أن الدين يجعل من رجال الدين طبقة تدعي الحكم باسم الله، فإن صح هذا الأمر في الدول غير الإسلامية فهو غير صحيح ألبتة في بلاد المسلمين، فلا توجد طبقة تسمى رجال الدين، ولا يوجد رجال كهنوت، والإسلام ليس فيه سر يتداول بين رجال الدين فقط، وليست هناك امتيازات لعلماء الدين، وإنما هنالك حقل من الدراسات يتخصص فيه العلماء باعتباره علمًا، وليست أسرارًا، لذا فهو عالم من علماء الدين شأنه شأن علماء الهندسة والطبيعة وغيرها، ولم يوجد في الإسلام كهنوت، ولم يوجد فيه تنافر بين الدنيا والدين أو بين العلم والدين، فعقيدة التوحيد الحامية لهذا الدين فصلت بين الخالق والمخلوقات، بل لطالما حث الإسلام بنصيه الأصليين (الكتاب والسنة) على التدبر والتفكر ودراسة السنن الكونية التي أبدعها الله سبحانه وتعالى، ولم يكن هنالك فصل بين السياسي وغير السياسي أمام الأحكام الشرعية، فالجميع سواسية أمام الشرع، ولم يحصل افتراق في الفقه الإسلامي بين عمل الدنيا وعمل الآخرة، فالحكم الفقهي يجري على الجميع، ولم يتولَّ العلماء السلطة والحكم من بعد عصر الخلافة الراشدة إلا في أحيان قليلة كان الخليفة فيها عالمًا بالدين (كعمر بن عبد العزيز وأبي جعفر المنصور) .
نعم، لقد كان ثمة فساد في بعض العصور في الحكم، ولكن لم يكن للفقهاء دخل في ذلك، بل لقد عانى الفقهاء والعلماء من القهر والحبس والقتل قبل عامة الناس، وإن الدراسة الفاحصة لسيرة حياة الأئمة الكبار تكشف ما عانوه، لقد ضربوا أروع الأمثال في صمودهم أمام الانحراف والتسلط، ووقوفهم إلى جانب الدين، وبالتالي إلى جانب المجتمعات.
٢ - وهم يدعون تحجر الأحكام الشرعية. وهذا أكبر خطأ يقعون فيه، بعد أن تعترف المجامع الدولية بمرونة الفقه الإسلامي، ومواكبته للتطورات العصرية وصلاحيته لكل زمان ومكان، مثل:
أ - مؤتمر القانون الدولي المقارن الذي عقد في هولندا عام ١٩٣٢م: الذي اعتبر الشريعة مصدرًا من مصادر التشريع العام، واعترف أن الشريعة صالحة للتطور.