للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويصل إلى القاعدة التي تلقفها من بعده (القمني) وغيره، حيث يصف اللغة العربية بأنها بدوية عاجزة عن وصف الحالة المدنية المعاصرة.

(إنها لغة بدوية لا تكاد تكفل الأداء إذا تعرضت لحالة مدنية راقية كتلك التي نعيش بين ظهرانيها الآن) (١) .

ونجد ترديد ذلك في كتب القمني وغيرها من امتهان للغة العربية وثقافتها، والتفريق بين المزارع صاحب الحضارة والبدوي صاحب الخيمة، وكل ذلك غمز ولمز بالأنبياء، لأنهم كانوا من الرعاة حسب تصنيفهم.

أما السيد (خليل عبد الكريم) فقد اعتبر اللغة العربية خالية من الجمال والشاعرية والفن، بل اعتبرها كغيرها من اللغات فيها الجميل والقبيح والحسن والرديء.. إلى أن يقول:

(ولعل اللغة الشاعرة تندرج تحت مثيلاتها من الادعاءات، مثل أن اليعاربة أقاموا أمجد حضارة ولديهم أعظم إسطار وأغنى أدب وأرفع شعر وأجمل فن وأثرى تراث وأعرق مدن وأقدم جامعات.. إلخ، ومبعث هذا كله مركب النقص والشعور بالدونية والجدب العلمي والانهزام الحضاري.

إنما الطريق الذي لا بديل له هو الانعتاق من ربقة المسطورات، والتفلت من هيمنة المأثورات، وفك أسر العقل والإيمان به في الصباح والمساء، كما قال أبو العلاء المعري، في الأمور كافة؛ جليلها ودقيقها، والإقبال على العلم - نعني به العلم التجريبي أو الطبيعي - وتسييده في كل المجالات ... إلخ) (٢) .

ولا غرابة أن تتحد الأهداف، فأول حاكم فرنسي حكم المغرب (اليوطي) ، دعا إلى الانتقال من اللغة العربية إلى البربرية، ثم إلى الفرنسية، فيقول:

(إن اللغة العربية تجر إلى الإسلام، لأن هذه اللغة تتعلم في القرآن. هذا في حين أن مصلحتنا تحتم علينا العمل على جعل البربر يتطورون خارج إطار الإسلام، ومن الناحية اللغوية يجب أن نعمل على الانتقال مباشرة من البربرية إلى الفرنسية) (٣) .

فالرجل يقصد هجر العربية حتى يتم هجر اللغة العربية والقرآن، ولكن لمصلحة مَن؟ لمصلحتهم، حينما عبر قائلا: لمصلحتنا.. والتي رددها في نفس الوقت (سلامة موسى) ، فكأنها تطابقت قلوبهم فتطابقت أقوالهم، حيث يقول:

(إنه تراث لغوي يحمل عقيدة اجتماعية يجب أن نحاربها.. فالعربية ليست لغة الديمقراطية والأتومبيل والتليفون، بل لغة القرآن وتقاليد العرب..) (٤) .

ويأتي بعد ذلك كتاب (الشعر الجاهلي) لطه حسين، الذي شكك ببناء الكعبة ووجود إبراهيم ورحلته إلى الحجاز مع ولده إسماعيل.. فقد طبق (طه حسين) أسلوب ديكارت في الشك، وتلقفه بعده بأكثر من خمسين عامًا علمانيو اليوم أمثال (سيد القمني وخليل عبد الكريم) في كتبهم المتفرقة.


(١) الإسلام بين التنوير والتزوير، د. محمد عمارة، ص١٢٥.
(٢) العرب والمرأة، حفرية في الإسطير المخيم، خليل عبد الكريم، ص١٨٤ - ١٨٥.
(٣) الإسلام بين التنوير والتزوير، د. محمد عمارة، ص١٣٢.
(٤) الإسلام بين التنوير والتزوير، د. محمد عمارة، ص١٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>