للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالدكتور (نصر حامد أبو زيد) أكد على واقعية القرآن الكريم وتشكله بتفاعل الواقع في كتابه (الخطاب الديني) ، حيث قال:

(الواقع إذن هو الأصل ولا سبيل لإهداره، من الواقع تكون النص، ومن لغته وثقافته صيغت مفاهيهمه، ومن خلال حركته بفاعلية البشر تتجدد دلالته، فالواقع أولا، والواقع ثانيًا، والواقع أخيرًا، وإهدار الواقع لحساب نص جامد ثابت المعنى والدلالة يحول كليهما إلى أسطورة) (١) .

أليس هذا بعث أقسى وأمر من القول بخلق القرآن؟ فالمعتزلة قالوا: إنه مخلوق لله. أما هؤلاء فقد جعلوه مخلوقًا للواقع.

ثم عقد مشابهة غريبة بين القرآن الكريم باعتباره (كلمة الله) ، وبين عيسى عليه الصلاة والسلام؛ ليخرج بنتيجة خطيرة، حيث قال:

(وإذا كان القرآن قولا ألقي إلى محمد عليه الصلاة والسلام، فإن عيسى بالمثل كلمة الله ألقاها {إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} أي أن محمدًا = مريم.

والوسيط في الحالتين واحد هو الملك جبريل عليه السلام الذي تمثل لمريم بشرًا سويًّا، وكان يتمثل لمحمد في صورة أعرابي.

وفي الحالتين يمكن أن يقال: إن كلام الله قد تجسد في شكل ملموس في كلتا الديانتين:

تجسد في المسيحية في مخلوق بشري هو المسيح، وتجسد في الإسلام نصًا لغويًّا في لغة بشرية هي اللغة العربية.

وفي كلتا الحالتين صار الإلهي بشريًّا أو تأنسن الإلهي) (٢) .

ونجد (عبد الهادي عبد الرحمن) يؤكد على مسألة تشكيل القرآن وجمعه في عهد عثمان رضي الله عنه، فيقول:

(فالقرآن لم يكن نصًّا جاهزًا، بل إن صحائفه لم تُجمع نهائيًّا إلا في عهد عثمان بن عفان، رغم أنه كان معجزة النبي الوحيدة لغة وفصاحة وبيانًا) (٣) .

علمًا أن جمع عثمان لم يكن الجمع الأول، فقد سبقه جمع أبي بكر رضي الله عنه: (قال الحاكم في المستدرك: (جمع القرآن ثلاث مرات: إحداها بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم) ، ثم أخرج بسند عن زيد بن ثابت قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع) . الثانية: بحضرة أبي بكر. روى البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت قال: أرسل إلىَّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، فقلت لعمر: كيف نفعل شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هو والله خير، فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك) (٤) .

كما شكك الكاتب نفسه في ترتيب السور والآيات حيث قال:

(لكن هل يعني إغلاق الدائرة الكبيرة (لعقدة) سجعية محدودة بدء دائرة كبيرة أخرى أن كل دائرة كبيرة قد أنزلت على الرسول في وقت واحد أو في فترات زمنية متقاربة؟!.

يجيب تعدد الأغراض وأسباب النزول إجابة مختلفة، لأن طريقة نزول القرآن على النبي، ثم جمعه فيما بعد، ينفي أن تكون تلك النهايات المسجوعة هي مربط الفرس.

وهذا يقودنا إلى سؤال آخر: هل اللغة هي الحكم إذن؟ أم أن ارتباط ذلك النسق اللغوي بوحدة الموضوع هي الحكم النهائي) (٥) .


(١) الخطاب الديني، نصر حامد أبو زيد، ص٦٨.
(٢) الخطاب الديني، نصر حامد أبو زيد،، ص١٣٨.
(٣) سلطة النص، عبد الهادي عبد الرحمن، ص٣٩.
(٤) الإتقان في علوم القرآن، السيوطي، ص١٨١.
(٥) سلطة النص، عبد الهادي عبد الرحمن، ص٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>