للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومع ذلك فقد حفظ لنا علم الحديث ما ورد في فضل كل منهم.

ألا يعني ذلك أن هذا العلم قد تجاوز الواقع السياسي، وأحاط نفسه بأسوار قوية من النقد للسنة، والتثبت في نقل الأخبار والأحاديث؟.

ومنهم من ادَّعى عدم حجية السنة في التشريع، ورفض اعتبارها مصدرًا للتشريع، كما قال بذلك (نصر حامد أبو زيد) في كتابه (الإمام الشافعي) حيث انتقد الشمولية التي أضفاها الشافعي على النصوص، وذلك عن طريق توسيع مجال فعالية النصوص ومجال تأثيرها بالخطوات التالية:

١ - تحويل السنة النبوية - النص الثانوي - إلى نص مشرع؛ لا يقل في دلالته التشريعية عن النص الأول (القرآن الكريم) .

٢ - توسيع مفهوم السنة بإلحاق الإجماع بها، وكذلك عدم التفرقة بين سنة الوحي وسنة العادات (١) .

والواقع أنه ليس النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي حول نصوص السنة إلى نص مشرع، بل إن الله عز وجل هو الذي رفع كلام نبيه وأسبغ عليه صفة التشريع، فهو {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٣ - ٤] ، ولو لم تكن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتسبت صفة التشريع من عند الله، لما أمرنا الله تعالى بطاعته واتباعه فيما أمر ونهى وسن وشرع، حيث قال: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧] .

وبالإضافة إلى ذلك؛ فالكاتب نفسه يتهم نصوص السنة بالدعوة إلى عزل الدين عن الحياة، مستدلًا بحديث: ((أنتم أعلم بشؤون دنياكم)) .

يقول في كتابه (الخطاب الديني) :

(إن للنصوص الدينية مجالات فعاليتها الخاصة، وأن ثمة مجالات أخرى تخضع لفاعلية العقل البشري والخبرة الإنسانية، ولا تتعلق بها فعالية النصوص.

وكان المسلمون الأوائل كثيرًا ما يسألون إزاء موقف بعينه ما إذا كان تصرف النبي محكومًا بالوحي أم محكومًا بالخبرة والعقل، وكثيرًا ما كانوا يختلفون معه، ويقترحون تصرفًا آخر إذا كان المجال من مجالات العقل والخبرة ...


(١) الإمام الشافعي، نصر حامد أبو زيد، ص٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>