للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحتى إذا نظرنا لنظام الشورى - بدون ولاية لشخص ما - نجد أنه أفضل بكثير من أي نظام زمني يسلم أموره كلها لآراء الشعب، لأنه يسير وفق تشريع سماوي مسبق وطبق ضوابط شرعية.

وعلى أي حال، فإن الإسلام لم يفسح المجال مطلقًا لظهور هذه الثنائية بين السلطة المدنية والسلطة الدينية، وهي من أفدح الأخطاء التي تفقد السلطة السياسية دورها الحقيقي، في نفس الوقت الذي تشوه حقيقة الدين وتوجيهه للحياة.

ثانيًا: خطط الإسلام للجانب المتغير من الحياة، فوضع القواعد العامة، والأحكام الظاهرية والاضطرارية، وفتح مناطق فراغ يملؤها الحاكم الإسلامي الفقيه العادل على ضوء مشورته ومتطلبات الظروف، إلى جنب إشباعه للجانب الثابت في الحياة الإنسانية - وهو الجانب الفطري الأصيل - بقوانين ثابتة، فلا مجال إذن للجمود، وأمثال ذلك.

وقد تصور هؤلاء أن الدولة الدينية لما كانت تقوم على الإيمان بحقائق فلسفية مطلقة ثابتة، بل وتؤمن بلزوم الإطلاق في الحقيقة، بمعنى (مطابقة الفكرة للواقع الخارجي) ، فهذا يعني الإيمان بقوانين اجتماعية ثابتة لا تتغير مطلقًا، وهو لا يعدو مجرد خلط وسخف، فالإيمان بالحقيقة المطلقة شرط لأن نفترض إمكان المعرفة وحصول اليقين بالواقع الموضوعي الخارجي، ولا ربط له بالإيمان بثبات كل النظم الاجتماعية أو عدمه.

إن الإسلام يؤمن بتطوير كثير من الجوانب الاجتماعية، في نفس الوقت الذي يؤمن فيه بثبات الحقيقة الفلسفية، لأنهما مجالان لا ربط بينهما ولا يخلط بينهما إلا جاهل أو مغالط.

<<  <  ج: ص:  >  >>