هذا وقد صادر الكاتب على المطلوب حين ادعى أن المعرفة العقلية الكاملة ممكنة، فالمدعى أن المعرفة الاجتماعية الكاملة غير ممكنة؛ لأنها تعني معرفته بكل الغايات الإنسانية بتفاصيلها، ومعرفة كل الوسائل الموصلة إلى تلك الغايات، وهي أيضًا غير ممكنة للعقل، فكيف نفترض ابتداء إمكان هذه المعرفة العملية؟
ثانيًا: أن الهدف الذي يرمي إليه هو فصل الدين عن الحياة، من خلال افتراض أن العقل والمبادئ المعيارية تتقدم رتبة على الوحي، فهي كافية لتنظيم شؤون الحياة.
ونحن نعلم أن العقل هو نبي الباطن - كما يقال: عن هشام بن الحكم قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام:
( ... يا هشام إن لله على الناس حجتين: حجة ظاهرة وحجة باطنة؛ فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة (عليهم السلام) وأما الباطنة في العقول ... ) (١) - وبه تتم المعرفة الدينية سواء كان عقلًا نظريًّا أي المبادئ الأولية الضرورية كاستحالة التناقض ومبدأ العلية، أو كان عقلًا عمليًّا، كما في مسألة إطاعة الخالق تعالى.
ولكن المشكلة تكمن في أن العقل لوحده لا يقدر على معرفة كل العلاقات الإنسانية فيما بينها أولًا، والعلاقات الإنسانية بالطبيعة، والعلاقات بين الماضي والحاضر والمستقبل، والعدالة الدقيقة في الإشباع المتوازن للحاجات الإنسانية، وبالتالي كل السبل للوصول إلى الكمال الإنساني (الذي تعبر عنه النصوص الإسلامية بالتقرب من الله) ، ولذا يحتاج الإنسان إلى الدين وتعاليمه وذلك:
أ - لكي ينمي العقل نفسه ويهديه إلى الأسلوب التكاملي الأفضل.
ب - لكي يوضح له ما أبهم عليه من علاقات، وما ينبغي أن يصنعه لمواجهة كل المواقف، ومنها المواقف الأخلاقية التفصيلية التي قد يمكن أن يعلم أصولها إجمالًا. والحقيقة أن السير الطبيعي الذي يصوره الدين يتم على النحو التالي:
(الذات الإنسانية المنطوية تدرك - عبر العقل - الحقائق الدينية لتصل من خلالها إلى الخطة الحياتية الكاملة التي تسير بها نحو التكامل) .