للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالعقل بمبادئه يقود الإنسان إلى الله، وضرورة طاعته، والله بفضله وكونه الخير المطلق بمقتضى علمه وقدرته ولطفه يرسم للإنسان كل معالم حياته الفردية التشريعية، وكل الحلول الأنجح لمشكلاته ليسير هذا نحو الغاية.

وبتعبير آخر: العقل نبي الباطن الذي يرشده إلى خالق الكون، ونبيه هو عقل الخارج الإنساني الذي يبلغه الخطة الإلهية للحياة.

فأين التناقض؟ ولماذا نعتبر أسبقية العقل تعني أن العقل هو كل شيء في الحياة؟ وهل يمكن أن نعتبر السراج الكاشف عن المنظار كاشفًا عن كل العوالم التي يكشف عنها المنظار، فلا حاجة إذن للمنظار، ونكتفي نحن بالسراج؟ وبهذا ينهار الأساس الثاني الذي سعى له الكاتب وأكده مئات المرات، وهو دلالة أسبقية العقل على الوحي والنبوة على استقلالية الإنسان في كل حياته.

إن الأوامر الإلهية قد تكون أوامر إرشادية لحكم العقل الذي قد يغفل عنه الإنسان نتيجة طغيان النوازع الحسية عليه، ولكنها لا تعني التكرر والمرجعية العقلية، بل تعني الانسجام بين الدين والفطرة الإنسانية، وتبيين مكنونات هذه الفطرة التي قد يعمى عنها الإنسان.

كما أننا قد نعبر عن أن الإرادة الإلهية بمقتضى عدلها ولطفها تنسجم مع الاعتبارات العقلانية، ولكن هذا لا يعني تقييد الإرادة المطلقة، فهي مطلقة لا يحدها شيء، ولكنها بمقتضى العدل واللطف لا تأمر الإنسان إلا بما يصلحه ويحقق له تكامله، ولا يعني هذا المرجعية العقلية بقدر ما يعني الانسجام مع الفطرة والواقع الإنساني. بالإضافة إلى أن هذه الإرادة تتعلق بكثير مما يجعله الإنسان بعقله من المصالح والألطاف، فلا يمكن الاستغناء عنها مطلقًا واعتبار الأوامر الدينية أمرًا مكررًا. فالمغالطة تكمن في جعل العقل الإنساني مدركًا لكل الغايات والمبادئ والعلاقات الواقعية وأساليب العلاج، وهي قضية معلومة البطلان، وما أكثر المجهولات في الحياة.

<<  <  ج: ص:  >  >>