هـ - أما فكرة (الاجتهاد في قبال النص) فهي فكرة غريبة عن الإسلام، ولا معنى لأن يعمل الإنسان رأيه في قبال النص الإلهي المعصوم، إنه بذلك ينقض إيمانه بالنص الديني وعصمته، ويقع بالتالي في تناقض في إيمانه.
و أما التشكيك في عملية الوحي فهو أمر مرفوض تمامًا، وهي فكرة غربية غريبة على الروح الإسلامية، إن الوحي حضور قطعي لدى النبي، وهو بدوره يوصله إلى الأمة دونما أي تصرف {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة: ٤٤ - ٤٦] ، أما فكرة التجربة الداخلية فقد انطلقت في الغرب وتأثر بها المفكرون المسلمون، وهي أمور لو شككنا فيها شككنا في كل النبوة، والمفروض أننا اطمأننا بعصمة الرسول إما مطلقًا أو على الأقل في مجال التبليغ (كما هو رأي بعض المسلمين) .
ز - وقد ذكر أننا لا نستطيع التعامل مع النصوص إلا إذا تطابقت مع الاعتبارات العقلانية فلا ندري ماذا يقصد بها، فإن قصد أن النص يخالف في ظهوره معلومة قطعية عقلية من قبيل قوله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه: ٥] ، وحينئذ يجب تأويله، فهو أمر صحيح ولكنه لا علاقة له بالجانب التشريعي أولًا، وتقل موارده ثانيًا، وليس في المجالات التشريعية ثالثًا.
وإن قصد أن النص قد يخالف ما تستحسنه ظنوننا وأذواقنا واعتباراتنا العرفية فلا قيمة لهذه الاستحسانات بعد أن كانت مبتلاة بالمعوقات التي ذكرها هو، وفي طليعتها الجهل الإنساني بالحقائق.. نعم لو بلغت هذه الاعتبارات حدًّا واسعًا، وامتدت امتدادًا تاريخيًّا إلى عصر النص، وشكلت قرينة عرفية عليه، ولم يكن هناك ردع شرعي لها، أمكن القول بأنها قد تقيد ظهور النص وإطلاقه، ولكن ذلك لا يؤدي إلى ما يريده الكاتب من جعل الاعتبارات العقلانية مرجعًا للنصوص.
وهكذا نجد أن هذه الشبهات تتساقط الواحدة بعد الأخرى، ويبقى السبيل إلى معرفة أوامر الله تعالى سليمًا بوجه عام.