في فهم مفرداته - تعني في معناها العام، هي الاستخراج والاجتناء والأخذ من مواضع متعددة! وهو اجتناء واستخراج لما هو حسن، والحسن إما ظاهر بيّن، وإما أن يستبينه من لم يظهر لأول وهلة من خلال العرض والإظهار والإشارة إليه وتقليب الأمور.
ومن هنا نجد في العربية: شار العسل، بمعنى استخرجه من الوقبة أو اجتناه وأخذه من خلاياه ومواضعه، ونجد فيها: الشارة والشورة، بمعنى الحسن الهيئة واللباس، ونجد فيها: الشور بمعنى عرض السخاء وإظهاره، ونجد فيها: المشوار وشار الدابة، وذلك من خلال عرض الدابة إذا أجراها لتعرف قوتها، وإذا قلبها ليستبين مواضع الحسن فيها، كما أن وتر المنداف الذي يقلب به القطن أو يشور به القطن، يسمى مشورة، ومثل هذا شار الفحل الناقة، بمعنى كرفها فنظر إليها لاقح هي أم لا، والشوار: متاع البيت ومتاع الرجل، والشورة: الجمال الرائع، ثم نجد أيضًا: أشار إليه وأشار عليه، بمعنى أومأ على شيء ما بالمشيرة (الإصبع) أو بالكف أو بالعين، وبمعنى الإشارة إلى الرأي والإشارة به على المستشير.
وخلاصة القول فيها: أن العربي حين يسمع الشورى، ويسمع أنها من صفات الجماعة التي استجابت لربها وأقامت الصلاة، ويسمع أنها (بينهم) ، أن العربي حين يسمع ذلك يدرك أن المطلوب هو أن الجماعة التي استجابت لربها كما تقيم صلاتها تتشاور في أمورها، وتحاول استخراج وانتقاء أفضل الآراء التي تمكنها من العزم أو الإجماع، ثم تولي الأمور إلى مجموعة (منها) ، وتتوكل على الله وهو نِعمَ الوكيل.
والشورى باعتبارها صفة من صفات الجماعة التي استجابت لربها تلزم في كل الأمور العامة والخاصة، حتى إنها مطلوبة في حالة الطلاق والنظر في إتمام الرضاعة:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة: ٢٣٣] ، وكل ذلك في حدود ألا تكلف نفس إلا وسعها، ودون مضارة، {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا}[البقرة: ٢٣٣] ، والقرآن الكريم الذي اتخذ من (الشورى) - منذ العهد المكي - صفة من صفات الجماعة التي استجابت لربها، وقد جاء فيه أيضًا (في العهد المدني، وعقب معركة أُحُد! أي في الوقت الذي كان يمكن لأي حاكم - حتى الحاكم العصري - أن يتخذ من الهزيمة مبررًا لإعلان حالة الطوارئ - بل شبه ديكتاتورية! أو ديكتاتورية كاملة بمناسبة حالة الحرب والهزيمة) التأكيد بأن: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}[آل عمران: ١٥٩] .