للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالقرآن يتخذ من (الشورى) صفة من صفات الجماعة، ويلزم (أولي الأمر منها) إلزامًا، ومن هنا كان التطبيق الرسولي في قيام جماعة المسلمين على (الشورى) في عامة شؤونهم، ولا قيد إلا الالتزام (بالإطار المرجعي) أو (أول مرجوع إليه) ، والبحث عن الصواب في قول المتشاورين ليقدم كل منهم ما لديه من خبرات. ألا ترى أنه يوم بدر - بعد أن تم التأكد من أنه لا وحي في اختيار موقع نزول الجماعة - تمت الإفادة من أهل الخبرة، بينما يوم أُحُد - حين لم يكن من وحي ولم يتقدم أحد بخبرة محددة - أخذ برأي الأغلبية، والذين كانوا من الشبان، وكان الخروج مع أنه لم يكن من رأي الرسول صلى الله عليه وسلم، وحين كانت الهزيمة جاء النص يؤكد: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩] ؛ فالشورى من أهم دعائم الجماعة الإسلامية، ومن أبرز صفاتها، وقد وردت (الشورى) بين الاستجابة لله وإقامة الصلاة من جانب، والإنفاق من جانب آخر.

وقد علق القرآن المثل الأعلى أمام المسلمين، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنموذج التطبيقي، لكي يسير المسلمون في يسير الأمور وخطرها على الشورى، وحتى تصير نهجًا عامًا للمسلمين في كل أمورهم.

ولابد هنا من وقفة عند الأنموذج التطبيقي الرسولي في المدينة، ولعل من المناسب أن أذكر هنا (الصحيفة) أو (الكتاب) الذي أصدره الرسول صلى الله عليه وسلم فور قدومه المدينة ورسم فيها، أو فيه، منهاج معالجة المشكلات بنهج مفتوح - بل (أنهج متنوعة، تنوع الأحياء والقبائل - يحكمه، ويحكمها، أن تكون الشرعة التي يشرع منها ويبدأ بها متفقًا عليها وموافقًا عليها، إنها شريعة الجماعة، أو الشارع الذي يفتح على عدة (أنهج) على رأي إخوتنا في تونس.

فهم: ((أمة واحدة من دون الناس، وإن بينهم النصرة على من داهم يثرب)) وما عدا هذا الالتزام بالدفاع ((وإن بينهم النصرة على من داهمهم)) ، فإن الالتزامات أخذت أسلوب توزيع الأعباء على أهل الأحياء والذاتيات المتميزة، وعلى أن يكون بين أفراد كل حي أو ذاتية متميزة بروابط خاصة، ((فالمهاجرون من قريش على ربعتهم، يتعاقلون بينهم، وهم يفدون ما بينهم بالمعروف والقسط بالمؤمنين)) ، ثم يذكر قبائل المدينة وأحياءها؛ قيجعل كل حي ذاتية متميزة، ويقر أفراده على الروابط الخاصة التي تربطهم، (وفي هذا الصدد يذكر أحياء: بني عوف وبني الحارث، وبني جشم، وبني النجار، وبني عمر بن عوف ... إلخ) ، وبعد ذلك يذكر المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، في صورة حقوق مشتركة، وواجبات واحدة، وميزات متساوية، وعلائق متحدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>