للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومهما يكن من أمر فإن ما استدل به المانعون لوقف النقود يمكن حصره في دليلين:

الأول: أن النقود مستهلكة، والوقف إنما ينتفع به مع بقاء عينه، وهذا الدليل يمكن دفعه بأن النقود مثلية فيرد بدلها، ورد البدل جائز كما هو معلوم في الوقف في حالة الاستبدال، وفي حالة التعدي على العين الموقوفة بالغصب والإتلاف، هذا إذا لم نقل أن النقود لا تستهلك استهلاك الشمع والمطعوم والمشروب وغيرها مما يقرنه الفقهاء بها في هذا المقام، وإنما تنتقل –بحسب وظيفتها- من يد إلى يد، ومن مكان إلى آخر مع ثبات وضمان قيمتها في كل الأحوال –بحسب ما هو متعارف عليه اقتصادياً اليوم.

الثاني: أن النقود خلقت لتكون أثماناً ولم تخلق لتقصد منافعها لذاتها، وهذا ما ذكره ابن قدامة في المغنى، وهو قول صحيح في جملته غير أنه يمكن مناقشته بأن وقف النقود لا يعني إخراجها عن وظيفتها المقررة وهي الثمنية، وإنما هو إعمال لتلك الثمنية إذ لولا تلك الثمنية لما وقفت، لأن ثمنيتها هي التي تتيح لها الدخول في المضاربة فتشتري بها أشياء ثم تباع تلك الأشياء بنقود أخرى، والربح الذي ينتج عن ذلك يكون للموقوف عليهم، فكأنما وقفها أساساً كان لثمنيتها، أما الربح والمنفعة فهو عائد العمل والجهد الذي يرتكز على تلك الثمنية، أما إذا أقرضت فالأمر واضح، لأن الذي يقترضها سوف يستخدمها كثمن يدفع به عن نفسه غائلة الحاجة ثم يعيدها مرة أخرى، وعليه فإن وقف النقود ليس كوقف الشجر على نشر الثياب، والغنم على دوس الطين، والشمع للتجميل به كما يعبر ابن قدامة (١) .

ومما يتصل بالمسألة وقف الحلي وهو جائز لتعار في المناسبات كالزواج وغيره، ودليل ذلك:

أولاً: ما روى نافع قال: ابتاعت حفصة حلياً بعشرين ألفاً فحبسته على نساء آل الخطاب، فكانت لا تخرج زكاته.

ثانياً: إن الانتفاع بها عارية لا يتنافى مع دوامها وبقاء عينها.

ثالثاً: إن تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة –وهو مفهوم الوقف- ظاهر فيها بشكل صريح ومباشر.

والقول بجواز وقفها هو مذهب الإمام الشافعي، ومقتضى مذهب المالكية، ورواية عن الحنابلة، وفي رواية أخرى عن الإمام أحمد عدم صحة وقفها (٢) .


(١) راجع قول ابن قدامة في المغنى: ٨/٢٣٠.
(٢) المغنى لابن قدامة ٨/٢٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>